أصبح واضحاً أنّ إسرائيل فوجئت بالردّ على اعتدائها على القنصلية الإيرانية في دمشق ، انطلاقاً من الأراضي الإيرانية، وفوجئت أيضاً بحجم الرد، وفي هذ المجال ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ مسؤولين صهاينة قالوا إنّهم لم يعتبروا بأنّ استهداف القنصلية سيُشكِّل استفزازاً لإيران، وفي البداية توقّعت الاستخبارات الإسرائيلية أن يكون ردّ إيران بإطلاق ما لا يزيد عن 10 صواريخ أرض-أرض على إسرائيل، ولاحقاً، أدرك الإسرائيليون أنّ إيران ستردّ بقوّة أكبر بكثير وزادوا تقديراتهم إلى ما بين 60 إلى 70 صاروخ أرض-أرض.
أدركت تل أبيب في أعقاب الردّ الإيراني، أنّ هناك تغيُّراً استراتيجياً استجدّ في طهران ستساهم مفاعيله في إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية. وكشف ذلك عن قصور استخباري وسياسي إسرائيليّين في فهم هذا المتغيِّر.
رسائل الرد الإيراني:
وجهَّت إيران عبر ردِّها “الوعد الصادق”، عدّة رسائل أحدثت هزّة في الواقع الإسرائيلي والإقليمي وأسّست لمعادلات جديدة :
– جسَّد الردّ الإيراني قرار الانتقال إلى مرحلة جديدة في مواجهة السياسة العدوانية الإسرائيلية سواء في الداخل الإيراني أو في سوريا.
– أظهر الردّ جانباً من قدرات إيران التي شكَّلت عيِّنة عمّا تملكه من قدرات أكثر تطوُّراً هي أقدر على اختراق منظومات الدفاع الجوّي الإقليمي.
– أسقط الردّ الفرضيات الإسرائيلية والأميركية بأنّ إيران لا تردّ انطلاقاً من أراضيها تجنُّباً لأيّ تدهور عسكري. وهو أمر استوجب الدعوة في كيان العدو إلى ضرورة مراجعة المفهوم الذي من خلاله تُدير إسرائيل الصراع ضدّ إيران واستبداله بما يتلاءم مع الواقع الجديد.
– وجَّهت إيران بردِّها ضربة قاصمة لإمكانية ارتقاء العدو في ضرباته العسكرية التي قد تصل لاحقاً إلى الأراضي الإيرانية في مواجهة ما تتعرّض له من ضربات من حلفاء إيران، عبر تدفيع الأخيرة الأثمان.
– من أخطر ما حمله الردّ الإيراني من رسائل في الوعي الإسرائيلي، أنّ القيادة العليا في الجمهورية الإسلامية أصبحت أكثر استعداداً للمخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة مع كيان العدو، رغم كونها تنطوي على احتمال التدحرج لمواجهة مع الولايات المتحدة. لذلك، فإنّ الأبعاد الاستراتيجية للردّ الإيراني لا تكمن فقط في كونه رداً على اغتيال سبق، وإنّما تعبير عن خيار يتّصل بالمرحلة المقبلة.
خيارات العدو
تحدّثت تقارير إعلامية إسرائيلية عن وجود إجماع وسط القيادتين السياسية والأمنية، حول ضرورة الردّ على إيران. ويمكن فهم هذا التوجُّه انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على صورة الردع الإسرائيلي. ومن أجل تعزيز مكانتها الإقليمية لدى أصدقائها وحلفائها، إضافة إلى تعزيز خياراتها الهجومية في مقابل أعدائها وبأنّه في حال استهداف عمقها فإنّها لا تقف مكتوفة الأيدي.
في المقابل، يدرك العدو أنّ مستوى معيَّناً من الردود على الأقل، سيؤدّي بالضرورة إلى التدحرج نحو مواجهة كبرى. وهذا ما لا تستطيع مواجهته إلا بمشاركة أميركية. ولذلك هي معنيّة جداً بموافقة واشنطن على هذا الخيار.
الردّ الإسرائيلي
في ضوء التقارير التي تحدّثت عن تعرُّض الجمهورية الإسلامية لردّ إسرائيلي في منطقة اصفهان تمثل بمحاولة استهداف قاعدة عسكرية بثلاث مسيرات صغيرة ، فكان الوصف الامثل لهذا الرد هو ما قاله وزير الامن ايتمار بن غفير حيث علق قائلا هذه مسخرة وبعيدا عن حجم الرد الصهيوني يمكن التقدير أنّه لا يخرج عن كونه
– أقرب إلى الرسالة من كونه ردّاً جدّياً لا يرتقِ إلى صورة الردّ الإيراني ومفاعيله. وبأنّ حكومة نتنياهو أرادت أيضاً ألا يُسجَّل عليها أنّها لم تنفّذ رداً.
– يندرج هذا الردّ ضمن إطار السقف الأدنى، في مروحة الخيارات المطروحة على طاولة القرار. ويعود ذلك إلى كون العدو كان حريصاً على ألا يدفع الردّ الطرف الإيراني لردّ مضاد يضعه (العدو) في موقف أكثر حرجا، وقد يؤدّي إلى التدحرج لمواجهة كبرى.
– هدفَ هذا المستوى من الردّ أيضاً إلى تجنُّب استفزاز إيران، وسلبها مبرِّر الردّ المضاد واحتواء الحدث.
– يبدو أنّ هذا الردّ أتى خلاصة نقاشات بين مؤيّدي ومعارضي الخيارات المطروحة، ومع واشنطن أيضاً.
في الخلاصة المسلَّم به أنّ يد إيران كانت هي العليا في هذه الجولة. ولا يعني ذلك أنّ المعادلات المنشودة قد رست بالضرورة، وإنّما القدر المتيقّن أنّها أسّست لها، وربّما لا تزال تحتاج إلى المزيد من الجولات اللاحقة كي تكتمل معالمها. بالإضافة إلى أنّ مستويات الردع قد تختلف باختلاف الساحات والمجالات، فضلاً عن أنّه قابل للتغيُّر صعوداً وهبوطاً.
المصدر: موقع المنار