لم تمضِ ساعاتٌ قليلةٌ على فُتاتِ المساعداتِ التي ألقتها طائراتٌ أميركيةٌ فوقَ قطاعِ غزة ، حتى بدأت حممُ الطائراتِ الصهيو-أميركية تتساقطُ على خان يونس وديرِ البلح . أكثرُ من خمسينَ غارةً جويةً خلالَ بضعِ دقائق ، فيما على الارضِ كانت الدباباتُ الصهيونيةُ تُكملُ مشهدَ الابادةِ الجماعيةِ بسحقِ كلِّ ما تصادفُهُ في طريقِها من مدنيين، وتتوغلُ في احياءِ القطاعِ مطلقةً النارَ في كلِّ الاتجاهاتِ لتصيبَ بطوناً جائعةً وهياكلَ عظميةً تبحثُ بينَ كتلٍ لا نهايةَ لها من الركامِ عن رغيفِ خبزٍ أو تسبحُ بما تبقى لها من طاقةٍ للظفَرِ بشيءٍ من مساعداتٍ اُلقيت جواً لاسماكِ بحرِ غزة ، انها مأساةٌ متكاملةُ العناصرِ تخبرُ عن شكلِ عالمِنا اليوم ، عن الغربِ الحوتِ الذي يستلذُ بسحقِ ما وقعَ تحتَ انيابِه من عظامِ أهلِ غزة ، ويحتفظُ بما تبقى في بطنِه للوجبةِ التالية ، تخبرُنا عن بعض العربٍ الذين جفَّت في عروقِهم شيمُ العروبةِ ونخوةُ الاُخوّة ، فهناكَ مَنْ قلوبُهم أشدُّ قسوةً من إِخوةِ يوسف. وأهلُ غزةَ ينادون في الظلماتِ أنْ لا الهَ الا أنتَ سبحانَك ، نَجِّنا من الغم ، ينتظرونَ في البئرِ قافلةً أرأفَ من اِخوتِهم ، ينتظرونَ أن يَملأَ كلُّ مسلمٍ دلواً من الماءِ لتُلقَى على اسرائيل ، وتأخُذَها السيولُ كما قالَ الامامُ الخمينيُ قدسَ سرُه.
وعلى أملِ تشكُّلِ سيلِ الامةِ الجارفِ ، يتواصلُ طوفانُ الاقصى في قطاعِ غزة بروافدِه من جبهةِ جنوبِ لبنان ، الى اليمنِ ، فالعراق. احوالُ جبهةِ قطاعِ غزةَ على لسانِ العارفِ بخفايا جيشِ الاحتلالِ الجنرال المتقاعدِ في الجيشِ الاسرائيلي اسحاق بريك الذي شغلَ منصبَ مسؤولِ شكاوى الجنودِ في الجيش. بريك يتحدثُ عن فوضى وفضائح ، احداها ما اسماها بمأساةِ خانيونس التي سقطَ فيها اكثرُ من عشرينَ ضابطاً وجندياً عندَ انفجارِ مبنًى مفخخٍ بقوّةٍ صهيونية. ويقولُ بريك: اِنَ الجيشَ يدخلُ إلى القتالِ دونَ خُططٍ مسبقة ، وكلُّ وِحدةٍ تقرّرُ بنفسِها كيفيةَ دخولِ المنازلِ المشبوهة. مضيفاً نحنُ نخسر ُ ما استولى عليه الجيشُ قبلَ شهرينِ فقط بثمنٍ باهظ.
بريك ذكّرَ بأنَّ الوضعَ في الشمالِ أخطرُ بكثيرٍ مما هو عليهِ مع حماس ، وقال : نحنُ في أسوأِ وضعٍ منذُ قيامِ الدولة. فنفسُ القيادةِ السياسيةِ والعسكريةِ التي أحدثت الفوضى الرهيبةَ لا تهتمُ بما سيحدثُ في المستقبل.