احتلت زيارة الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان لبيروت، أمس، وخطفت صدارة الاهتمامات السياسية، لما قد تحمله من تطورات على صعيد الأزمة الرئاسية. ومع وصول لودريان يكون الكثير من التأويلات السياسية والابداعات الصحفية قد وصلت الى نهايتها لتتكشف خلال اللقاءات الممتدة على مدى ثلاثة ايام، حقيقة المسعى المنبثق من اللقاءات الفرنسية السعودية والمتغيرات الاقليمية لاسيما التقارب الايراني السعودي.
لا أحمل أي مبادرة
وفي تصريح من بكركي بعد لقائه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، قال لودريان إنه لا يحمل أي مبادرة لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته السياسية. وأضاف “كان لنا لقاء مطول وشرحت للبطريرك أهمية مهمتي”.
وتابع “لا أحمل أي مبادرة وسأتحاور مع الجميع وتمنى عليّ ماكرون بأن أقوم بزيارة استطلاعية لمساعدة لبنان للخروج فورا من أزمته السياسية”، مؤكدا أن “ماكرون مصرّ على تقديم المساعدة المطلوبة للبنان وستكون لدي زيارات أخرى للبنان”.
لقاء مع ميقاتي
وقبل لقائه الراعي، عرض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع الموفد الفرنسي الوضع في لبنان والمساعي التي تقوم بها فرنسا لحل الازمة السياسية.
وشدد ميقاتي خلال اللقاء بينهما في السراي الحكومي، على أنّ “المدخل إلى الحل يكمن في انتخاب رئيس جديد”، مشيرًا إلى أنّ “الحكومة أنجزت المشاريع الاصلاحية المطلوبة ووقعت الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، وإن اقرار هذه المشاريع في مجلس النواب يعطي دفعًا للحلول الاقتصادية والاجتماعية المرجوة”.
بدوره، أكّد لودريان أنّ “الهدف من زيارته الأولى للبنان استطلاع الوضع سعيًا للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها لبنان، والبحث مع مختلف الجهات في كيفية انجاز الحل المنشود”.
اللقاء كان صريحاً وجيداً
وكان المبعوث الفرنسي استهل جولته من عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري بحضور السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو، حيث جرى عرض للأوضاع العامة لا سيما استحقاق رئاسة الجمهورية، واستمر اللقاء لأكثر من ساعة غادر بعده لودريان من دون الإدلاء بتصريح. واكتفى الرئيس بري بعد اللقاء بالقول إن “اللقاء كان صريحاً وجيداً”.
وعكست أجواء عين التينة لصحيفة البناء ارتياحاً للزيارة، مؤكدة أن فرنسا لا تزال معنية ومهتمة بالملف اللبناني ولعب الدور الأساسي في تسهيل التوصل الى تسوية سياسية على انتخاب رئيس للجمهورية بأقرب وقت، مشيرة إلى أن وصف الرئيس بري اللقاء مع لودريان أنه واضح وصريح يعني أن الضيف الفرنسي لم يكن مستمعاً فقط بل كان هناك نقاش وتبادل بالآراء.
واستبقت السفارة الفرنسية زيارة لودريان ببيان أكد أن السفارة لم تعد لائحة مواعيد استقبالات للوزير الفرنسي، وأن الأخير لن يعقد مؤتمراً صحافياً بعد نهاية جولته.
ورقة بيضاء
وأفادت مصادر إعلامية بأن لودريان سيخرج بخلاصات سيناقشها مع الجانب السعودي وأفرقاء اللقاء الخماسي حول لبنان. وأوضحت أن “لودريان يزور لبنان حاملاً ورقة بيضاء ليستطلع مواقف القوى من الأزمة ومقاربة حلها بعد توازنات الجلسة الأخيرة”. ولفتت المعلومات الى أن “زيارة لودريان الحالية ستتبعها زيارة أخرى في شهر تموز لاستكمال المسعى الفرنسي بالتنسيق مع الأطراف الدولية”.
لن تكون حاسمة
ولفت مصدر سياسي مواكب للحراك الفرنسي والخارجي لـ”البناء” الى أن “زيارة لودريان لن تكون حاسمة ولن تحمل مبادرة معينة، بل تأتي ضمن خريطة طريق وضعتها فرنسا تتضمن خطوات متلاحقة لإنهاء الأزمة الرئاسية، وتهدف الزيارة لاستمزاج آراء القوى السياسية ومناقشة كل الخيارات والاقتراحات ليكون لدى الوزير الفرنسي الصورة الكاملة عن مواقف كافة الأطراف وواقعية ومقبولية كل خيار ويتم رفع تقرير للإدارة الفرنسية لجوجلة الخيارات تمهيداً لجولة مشاورات جديدة مع القوى الفاعلة في لبنان أي اللقاء الخماسي تمهيداً لزيارات أخرى للوزير الفرنسي أو مسؤولين عرب قطريين وسعوديين لرسم صورة جديدة للحل”، لكن المصدر أكد بأن “صورة الحل لن تتضح بهذه الزيارة ولن تزيل التعقيدات الماثلة أمام أي تسوية رئاسية مقبولة من الجميع، فكل طرح يضع فيتو على مرشح الطرف الآخر ما يدخل الملف الرئاسي في دوامة خطيرة قد تحتاج إلى أمرين: إما تسوية تفرض من الخارج على الجميع لم تتبلور بعد، أو تطوّرات أمنية واسعة في الداخل تدفع أطرافاً داخلية الى طلب تدخل خارجي، وفي كلتا الحالتين الخارج ستكون له اليد الطولى والكلمة الفصل بالحل الرئاسي في لبنان”.
لم يكن مجرد مستمع
صحيفة “الأخبار” قالت إن “القوى السياسية أصبحت في جو أن الزيارة لن تحمِل جديداً في الموقف الفرنسي، وأنها شبيهة بالزيارة الأولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، لجهة اللقاءات مع مختلف القوى السياسية لحثها على الحوار من أجل الخروج من الأزمة.
ونقلت مصادر مطّلعة أن لودريان “لم يكن مجرد مستمع. صحيح أنه لم يقدّم طرحاً أو مبادرة، لكنه تبادل النقاش مع رئيس المجلس، وتطرّق إلى التطورات الأخيرة ولا سيما جلسة الانتخاب الأخيرة” في 14 حزيران الجاري. كما أنه “لم يتطرق إلى المبادرة الفرنسية، بل تحدث عن ضرورة التوافق والحوار بين اللبنانيين”. ولفتت المصادر إلى أن الموفد الفرنسي سيعود إلى بيروت الشهر المقبل، بعد أن يرفع تقريره إلى الإليزيه ويناقش حصيلة الزيارة مع الجانب السعودي وممثلي دول اللقاء الخماسي (أميركا، السعودية، مصر وقطر)، ما يشير إلى أن لا آمال كبيرة بحلول سريعة للمأزق الرئاسي.
المهمة تبدو مستحيلة
وكان لافتاً استباق صحيفة “لوموند” الفرنسية الزيارة بتقديرات سلبية، معتبرة أن “المهمة تبدو مستحيلة”، مشيرة إلى أن “الثنائي يعمل بشكل حثيث لكي يؤول المنصب المخصّص تقليدياً للمسيحيين الموارنة إلى زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، الذي يُعتبر حليفاً للثنائي منذ فترة طويلة، وصديقاً مقرّباً من الرئيس السوري بشار الأسد”.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي الفرنسي قوله إن “لودريان ليس هنا لدفع خيار معين، ولا لحث الجميع على الانضمام إلى فرنجية، ولا لتمهيد الطريق أمام خيار ثالث، بل في محاولة لجلب الجميع إلى الحوار والخروج من المواجهة”، مشيراً إلى أن “العقوبات واردة وكل الخيارات مفتوحة”. ولفتت الصحيفة إلى أنه بدا من لقاء القمة الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الجمعة الماضي، أن الأخير “غير مستعد لدعم لبنان كما في الماضي رغم انخراطه في حملة دبلوماسية شاملة في الشرق الأوسط منذ اقتراب بلاده من إيران في آذار الماضي”.
منسّق مع دول اللقاء الخماسي
بدورها عرضت صحيفة “الجمهورية” لمواقف القيادات اللبنانية حول الملف الرئاسي، ومهمة الموفد الفرنسي في بيروت، ونقلت عن مصادر دبلوماسية في باريس قولها إن الفرنسيين يعلّقون أملاً كبيراً على المسعى الذي يقوده لودريان، حيث يريدون له أن يؤسّس الى نهاية وشيكة للأزمة في لبنان، تقوم على حلّ متكامل رئاسي وحكومي في آن معاً. وهي بالتالي تنتظر ما سيحققه لودريان في بيروت للانتقال الى الخطوة التالية.
ولفتت المصادر، الى انّ هذا المسعى المتجدّد منسّق مع دول اللقاء الخماسي في باريس (الولايات المتحدة الاميركية، وفرنسا، والسعودية، ومصر، وقطر)، والغاية الأساس منه إحياء فرصة جديدة للقادة في لبنان لأن يتفاعلوا ايجاباً مع جهود أصدقائهم لإنضاج حل سريع لأزمة بلدهم، قبل فوات الأوان، ذلك أنّ لبنان بوضعه الراهن سياسياً واقتصادياً، لم يعد يحتمل ترف تضييع الوقت، وإهدار فرص إنقاذه. في وقت تتعاظم فيه المخاوف أكثر فأكثر من ان يتعمّق الانهيار في لبنان أكثر، بما قد يلقي به في مهبّ تطوّرات دراماتيكية تهدّد أمنه واستقراره.
ورداً على سؤال عمّا يحمله لودريان معه، وهل ثمة أسماء معيّنة لرئاسة الجمهورية، قالت المصادر: “كما يعلم الجميع، فإنّ الاسماء محدودة جداً، ولكل من تلك الاسماء مواصفات وميّزات. والموفد الرئاسي ذاهب الى لبنان لبلورة حلّ، والنقاشات التي سيجريها لودريان مع القادة اللبنانيين مفتوحة على التداول والبحث في كل الأمور”.
تقنين إعلامي
من جهتها رأت صحيفة “النهار” أن “التقنين الإعلامي” من الجانب الفرنسي ساهم في تكثيف الغموض الذي يحيط بمهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي شرع في لقاءاته بدءًا من عين التينة عقب وصوله عصر أمس الى بيروت، في مهمته التي تشمل جولة بانورامية على سائر المسؤولين والقادة السياسيين والحزبيين ورؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلين كما بكركي والمرشحين للرئاسة وسفراء المجموعة الخماسية.
جدول الأعمال
ويستكمل لودريان اليوم جولته بزيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي. وعُلم أنه سيلتقي في قصر الصنوبر اليوم سفراء دول اللقاء الخماسي (تغيب السفيرة الأميركية دوروثي شيا لوجودها في واشنطن ويمثلها القائم بالأعمال)، لوضعهم في أجواء القمة الفرنسية – السعودية والموقف الفرنسي وإطلاعهم على تفاصيل مهمته.
وإلى المسؤولين السياسيين ورؤساء الكتل النيابية ونواب مستقلين، ستكون للموفد الفرنسي لقاءات مع مجموعات من المجتمع المدني، ومن المفترض أن يلتقي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
الدبلوماسية المستدامة
من جهة أخرى، يقيم السفير السعودي في بيروت وليد البخاري مأدبة غداء غداً تحت عنوان “الدبلوماسية المستدامة”، والذي دعا إليه عدداً من سفراء الدول العربية والإسلامية، من ضمنهم السفير الإيراني مجتبى أماني والقائم بأعمال السفارة السورية علي دغمان، خاصة أن هذه المناسبة قد تسمح بمناقشة الملف الرئاسي اللبناني.
الخطة “ب”
مصادر الثنائي كرّرت لـ”البناء” رفضها الانتقال الى “الخطة ب” لكون فرص وحظوظ سليمان فرنجية لم تنعدم أو تتراجع بل تقدّمت بعد جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة والتي فاقت نتائجها التصور، وكرست فرنجية رقماً صعباً هزم التقاطعات سياسياً. ولفتت المصادر الى أنه من المبكر لأوانه الغوص في نقاش مع الفرنسيين أو مع غيرهم بأسماء أخرى كقائد الجيش أو الوزير السابق زياد بارود، طالما فرنجية لا يزال مرشحاً جدياً، لكن المصادر أعادت التأكيد على استعداد الثنائي للحوار على كافة الخيارات من ضمنها خيار فرنجية ومن دون شروط.
ندعو إلى الحوار
وفي السياق، قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم “رغم تمسُّكنا بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية نحن ندعو إلى الحوار، لماذا؟ لنسأل بعضنا بعضًا وليُجب بعضنا بعضًا، ونحصر نقاط الخلاف ونبحث عن حلٍّ لها، أمَّا أن يقول البعض نحن لا نريد النقاش ما دام الوزير فرنجية مرشحًا، هذا أمر مرفوض. لا تستطيعون فرض إرادتكم على شريحة واسعة من اللبنانيين. الطريقة التي اعتمدها الطرف الآخر بالتحدِّي لم تنفع ولن تنفع، فلا نحن قادرون على أن ننجز الاستحقاق وحدنا، ولا أنتم قادرون على إنجاز الاستحقاق وحدكم، فما هو الحل؟ العناد ليس حلَّاً، الحل بالحوار والتلاقي والتفاهم”.
جلسة الحكومة
لبنانياً أيضاً انعقدت الحكومة، وسط صخب سياسي عالي الوتيرة عبرت عنه بيانات التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في تقاطع على اعتبار الحكومة تتجاوز حدود تصريف الأعمال، وكان أبرز ما أقرّته الجلسة الحكومية، إلغاء شهادة البريفيه، وفتح ملف بدلات الأملاك البحرية مع شركة سوليدير، وفك الاشتباك بين وزرائها حول اسكبو قطر.
كلمة سر
وبحسب صحيفة الجمهورية، لفتت مصادر إلى أنّ الحل اللبناني معلّق على “كلمة سرّ” خارجية لم تتبلور بعد، وحتى ذلك الحين فإنّ هذا الانسداد في واقع داخلي متفجّر سياسياً ورئاسياً واقتصادياً، سيبقى رهناً بالظروف والتطورات التي قد تستجد في الداخل اللبناني، فتعجّل، اما ببلورة “كلمة السرّ” تلك، او بفرض امر واقع جديد يصبح فيه الحديث عن رئاسة الجمهورية تفصيلاً ثانوياً امام تفاصيل اخرى مرتبطة بالتركيبة الداخلية والطائف وأصل النظام، وهذا ما قد يرتب أثماناً هائلة على اللبنانيين”.
المصدر: موقع المنار + صحف