نص الخطبة
نبارك لكم ولجميع المسلمين ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء وولادة حفيدها الامام الخميني(قده) في العشرين من شهر جمادى الثاني .
لا شك ان فاطمة لها مكانة عظيمة في الاسلام، وقد رفع الله من درجتها ومنزلتها فجعلها في مصافي الاولياء المعصومين، وصحيح ان الله انما جعل لفاطمة هذه المكانة ليس لكونها امرأة، وانما لطهر ذاتها واصطفائها من الله سبحانه، لكن تكريمها هو تكريم للمرأة وان الاسلام ينظر للمرأة على انها انسانة كالرجل، يمكنها بعملها ان ترتقي مدارج الكمال، وتصل الى اعلى المراتب والمقامات كما وصلت الزهراء(ع)، فالزهراء(ع) هي نموذج المرأة الكاملة التي جمعت في شخصيتها كل القيم الروحية والاخلاقية والانسانية ووصلت الى ذلك المقام الرفيع، ولذلك كانت قدوة ليس للنساء فقط بل للنساء والرجال، وقد جعل الله في القرآن بعض النساء الصالحات العفيفات المجاهدات قدوة للرجال والنساء، مثل امرأة فرعون اسية بنت مزاحم، والسيدة مريم (ع) حيث يقول تعالى { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (التحريم،11-12) فالله جعل امرأة فرعون والسيدة مريم قدوة للمؤمنين(للذين امنوا) كلهم، أي لكلٍّ من الرجال والنساء. فإذا أراد الرجال كلهم في العالم أن يصيروا مؤمنين، فقدوتهم زوجة فرعون والسيدة مريم (ع) .
فالاسلام والقران يجعل المرأة نموذجا وقدوة للبشر جميعا، بينما الغرب الذي يتشدق بانه يرفع من مكانة المرأة وينادي بحقوق المرأة جعل الرجل نموذجا وقدوة .
الغرب يتهمنا وبطبيعة الحال يتهم الاسلام والمجتمع الاسلامي بانه مجتمع ذكوري، بينما الحقيقة ان النظام الرأسمالي الغربي هو نظام ذكوري، فما يقولونه عن الإسلام ويدّعونه بحق الاسلام يصدق عليهم تماماً، وليس على الاسلام لان الرؤية في النظام الرأسمالي الغربي هي تفوّق رأس المال على الإنسانية ، فقيمة كل انسان هي بمقدار ما يملك من رأس المال وثروات، وكل شخص يمكنه أن يجمع مالا أكثر وتكون لديه ثروة أكبر يكون أكثر قيمة ويتحول الى نموذج في النظام الرأسمالي، فالذي يحدد مكانة الانسان في النظام الرأسمالي الغربي هو راس المال وباعتبار ان الرجل أشدّ قوة واكثر ضخامة وبنيته الجسدية تساعده على القيام بالاعمال الكبيرة اكثر من المرأة كانت المصالح الكبرى واستخراج الثروات وادارة التجارات الكبرى بيد الرجال وبالتالي كانت رؤوس الاموال الكبرى بيد الرجال، ولذلك الأولوية في النظام الرأسمالي هي للرجال والرجال بهذا الاعتبار مقدمون على النساء ، لأن قدرة الانسان على جمع رأس المال بشكل افضل يصدق أكثر على الرجال وليس على النساء. وبهذه النظرة الرأسمالية يكون الرجل متفوقا على المرأة واعلى من المراة ومتقدما على المرأة.
ولذلك نجد أن النساء في النظام الرأسمالي يتعرضن للاستغلال في امرين اساسيين:
الامر الأول: في العمل حيث ان الرجل والمرأة يعملان نفس العمل الا ان الراتب الذي تأخذه المرأة أقل من الرجل في كثير من البلدان الغربية، وليس ذلك الا لأنها أضعف وأكثر عُرضة للقهر والاستضعاف. هذا نوع من الاستغلال!
وطبعا من الأسباب التي دعت الغرب اساسا، لإثارة قضية «حرية المرأة وحقوق المرأة» في القرن التاسع عشر هو استخدام النساء في المعامل والمصانع بأجور أقل. ولذلك هم هم دفعوا بالمرأة كي تعمل وادخلوها في مجال العمل من أجل يدفعوا تكاليف أقل.
الامر الثاني: استغلال انوثة المرأة وجعلها أداة لتلذذ الرجل. لقد استطاع الغرب إقناع المرأة بأن امتيازها او الشيء الذي يجعلها تمتاز به على الرجل وتتفوق به هو في نوع السلوك الذي يزيد من جاذبيتها الجنسية للرجل. تمكنوا من اقناع الفتاة والشابة بان مصلحتها هي في ان تخرج الى الوظيفة او المحل او السوق او الشارع سافرة ومتبرجة، وان تظهر بمظهر تلفت انتباه الرجال إليها من الناحية الجنسية،! حولوا المرأة الى سلعة لاشباع الغرائز والشهوات والى مجرد اداة للتسويق ولجذب الزبائن طبعا بعريها وسفورها، لذلك المطاعم المحال التجارية المختلفة في الغرب الدعايات والاعلانات تعتمد على الفتيات الجميلات لجذب الزبائن هؤلاء بهذا الاسلوب وجهوا أكبر ضربة لكرامة ومكانة المرأة.
اذن الذكورية التي يتهموننا بها هي عندهم في الغرب وليست عندنا ، وعندما يكون الرجل هو الجنس المتفوّق في الحضارة الغربية وتكون الحضارة الغربية ذكورية، ستكون النتيجة أنّ يصبح الرجل نموذجاً للمرأة وان تتخذ المرأة الرجل نموذجاً لها وليس العكس، بينما في الاسلام المرأة تتحول بايمانها وعفتها وعملها وقيمها وانجازاتها الى نموذج للرجال فضلا عن النساء كما كانت فاطمة وآسية ومريم نموذجاً لا للنساء فقط بل للبشر جميعاً .
و بهذا، تظهر وقاحة الغرب، فرغم كل الاهانات بحق المرأة ومكانتها وكرامتها، يتظاهرون بحمل راية «حقوق المرأة»! و يستغلون «حقوق المرأة» في العالم، بينما في الواقع فان ابشع الاعتداءات الجنسية وتجارة الجنس، والاستعباد الجنسي، والتحلل من كل القيود الأخلاقية والإنسانية تحصل في الغرب بالدرجة الاولى، هذه هي الحرية عندهم! لكن هذه ليست حرية، هذه عين العبودية والاستغلال والإهانة والانحطاط والدوس على الكرامة، هذا اولا.
ثانيا: الاسلام ينظر الى المرأة على انها انسانة كالرجل، لان الإسلام يتحدّث عن «الإنسان» ولا يفرق ابدا بين الرجل والمرأة، او يعطي خصوصية لاحدهما على الاخر في مجال القيم الانسانية وممارسة الاعمال الخيرة والطيبة، والمساواة بين الرجل والمرأة في مجال القيم الإنسانية والإسلامية هي من مسلّمات الإسلام. وفي القرآن ايات كثيرة توضح هذه النظرة يقول تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب، 35). فهذه الاية تذكر عشر خصوصيات رئيسية يتساوى فيها الرجل والمرأة في الأجر.
وفي آية أخرى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} (آل عمران، 194)، فلا فرق بينكم، أي لا فرق بين الرجل والمرأة في التقييم الإنساني والإسلامي. نظرة الإسلام هي نظرة إلى الإنسان، ولا خصوصية لأيّ من الرجل والمرأة في مجال القيم والاعمال الصالحة.
اما فيما يتعلق بالواجبات المتبادلة بين الرجل والمرأة تجاه بعضهما بعضاً فإنّ هذه الواجبات بطبيعة الحال مختلفة لكنها متعادلة. يقول تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228). فكل حق يعطى لاحدهما هناك حق في مقابله يعطى للاخر. وكلّ امتياز يُعطى لاحدهما هناك امتياز في مقابله للاخر ؛ فالمرأة مثلا صحيح ان حصتها في الارث النصف بينما الرجل له حصة كاملة، لكن في المقابل مثلا على الرجل ان يدفع مهرا للمراة وان ينفق على زوجته وعائلته وليس على المرأة شيء من ذلك، ففي مقابل كل حق هناك حق اخر للطرف الآخر وهذا يعني ان هناك تعادلا كاملا في الحقوق والواجبات بين الرجل والمراة. فالحقوق والواجبات صحيح انها ليست متساوية لكنها متعادلة، هذا في ما يتعلق بحقوق المرأة والرجل.
اما فيما يتعلق بالمسؤوليات المطلوبة منهما، فالأمر هنا يعتمد على الخصائص الطبيعية للمرأة والرجل. هناك اختلافات بين المرأة والرجل، أي بين الطبيعة الأنثوية وبين الطبيعة الذكورية. هناك اختلافات في الجسد والروح والأمور المعنوية أيضاً، والمسؤوليات متناسبة مع تلك الاختلافات. هذه الاختلافات تؤثر في نوع المسؤوليات الموكلة إلى المرأة أو الرجل، فالأمر يتعلق بالطبيعة الأنثوية والذكورية، إذ لا ينبغي أن يفعلوا أي شيء يتعارض مع طبيعتهم. فمثلا لا يمكن للرجل ان يتشبه بالمرأة في سلوكه ومظهره وشكله وزينة وجهه وغير ذلك، لان طبيعة الرجل غير المراة وكذلك لا يمكن للمرأة ان تتشبه بالرجل في سلوكها وكلامها وحركاتها، كلاهما خطأ. مثلا الجهاد العسكري واجب على الرجل بينما ليس واجبا على المراة هذا له علاقة بطبيعة وتكوين كل منهما. وهكذا مثلا المراة تستطيع ان تكون ربة منزل وان تكون اكثر عطفا وحنانا على اولادها في مجال التربية بينما الرجل قد لا يكون بنفس المستوى من العاطفة والحنان وهكذا.. هذا فيما يتصل بالواجبات الشخصية والمسؤوليات المختلفة في الاسرة وفي المجتمع .
أما في الواجبات الاجتماعية، فإن واجبات الرجل والمرأة واحدة. لكن الأدوار مختلفة. فمثلا الجهاد بالمعنى العام وليس بمعنى القتال واجب على الرجل والمرأة أيضاً، لكنّ جهاد الرجال نوع، وجهاد النساء نوع آخر.
يقول أمير المؤمنين(ع) في حديث: كتب الله الجهاد على الرجال والنساء، فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتّى يُقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته.. وفي حديث آخر: وجهاد المرأة حسن التبعّل.
طبعا هذا لا يعني ان المرأة لا تشارك في الامور الجهادية مطلقا، في المقاومة وخلال كل سنوات الاحتلال كان للمرأة دور عظيم في المواجهات التي كانت تحصل في القرى وفي دعم ومساندة المجاهدين وامدادهم بكل ما يسهل حركتهم ويعزز من قوتهم وثباتهم وصمودهم.
هذه هي نظرة الإسلام تجاه المرأة والرجل في مختلف المجالات و هذه نظرة حضارية ومنصفة فهي كما تعطي المرأة مكانتها وقيمتها فانها تعطي الرجل ايضا مكانته البارزة، وكلاهما يتمتع بامتيازات قانونية وفكرية ونظرية وعملية، على عكس نظام التقييم والرأسمالية في الغرب.
اليوم الغرب الذي يهين المرأة تحت مسمى الحرية الشخصية يحاول النيل من القامات والرموز الكبيرة كالإمام السيد علي الخامنئي دام ظله تحت عنوان حرية التعبير ، هم عجزوا من خلال الحصار والعقوبات والضغوط من اضعاف الجمهورية الاسلامية في ايران وفشلوا في الاحداث الاخيرة التي افتعلوها وحرضوا عليها من النيل من مكانة الامام القائد في ايران والعالم ومن جر الشعب الايرانية الى الفتنة الداخلية فأرادوا النيل بأساليبهم الاعلامية المهينة من قائدها الذي احبط مشاريعهم ليس في ايران وحدها وانما على امتداد المنطقة.
اليوم الأوضاع المعيشية في البلد دخلت في المرحلة الاسوأ فالدولار على أعتاب الخمسين الفا والكهرباء باتت مقطوعة بالكامل والتعليم الرسمي في خطر ومشكلة النفايات تتفاقم والفقر وصل الى نسب عالية وغير مسبوقة وهو في ارتفاع مستمر يوما بعد يوما ،ولذلك أولوية حزب الله في هذه المرحلة هي التعاون لمعالجة الحاجات المُلحة والضرورية التي تخفف من معاناة اللبنانيين بعيدا عن الكيد السياسي فنحن لسنا جزءا من معركة الكيد السياسي ولن نكون الا في الموقع الذي يفيد شعبنا ويخفف من آلامه ويؤمن الهدوء والاستقرار في البلد .
واليوم لا حلّ للأمور العالقة سوى بالتحاور والتفاهم الداخلي والاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يجمع اللبنانيين ويساهم في عملية الانقاذ، اما التعنت ورفض الحوار والتعاطي بكيدية في الملفات الداخلية واستدراج التدخلات الخارجية والرهان عليها فلن يؤدي الا الى نتيجة واحدة هي زيادة الانقسام وتسهيل الانهيار الشامل.