تظهر اهمية ملف الحدود البحرية اللبنانية الفلسطينية من التدخل اللافت للرئيس الاميركي جو بايدن حيث كان الموضوع حاضرا في مكالمة هاتفية جرت بينه وبين رئيس الحكومة الصهيونية يائير لابيد ووفقاً لأحد التعليقات الصهيونية فإنّ الرئيس بايدن أكّد لـ لابيد “أهمية إنهاء المفاوضات البحرية بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع المقبلة”. ونقل مُعلّق صهيوني عن مسؤولين صهاينة، قولهم: إنّ المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين سيصل إلى المنطقة في الأيام المقبلة.
بعيدا عن المعضلة الخارجية ما بين لبنان والكيان الصهيوني حول عملية ترسيم الحدود البحرية ورفع سقوف التهديد لدى الكيان في مقابل موقف ثابت وواضح لدى المقاومة في لبنان بأن لا استخراج للغاز في الكيان قبل حصول لبنان على كامل حقوقه بالاضافة لتغير الموقف الاميركي من المماطلة لمنع لبنان من استخراج الغازحيث كانت مهمّة هوكشتاين تمرير الوقت والمماطلة ودفع لبنان إلى التنازل والإستسلام وهو ما يتناسب مع الإستراتيجية الأميركية التي تفعِّلها الإدارة ضدّ لبنان وحزب الله: الحصار الإقتصادي الى الطلب من الكيان الاسراع في الوصول الى تسوية لسحب فتيل التهديد والمواجهة مع المقاومة في لبنان ، و تَراجُع الولايات المتحدة وسحبها الفيتو الموضوع على عمل الشركات صاحبة الإمتياز في الحقول اللبنانية ، بعيدا عن هذه المعضلات الخارجية برزت مؤخرا ما يمكن القول عنه بانه معضلة داخلية في الكيان الصهيوني.
قانون اساس – الاستفتاء الشعبي
مع تقديم منتدى “كهِاليت” للسياسات إلتماساً إلى المحكمة العليا في الكيان الصهيوني، منتصف شهر آب الماضي، كي تقرّر بشأن الحاجة لإقرار نتائج المفاوضات بين الكيان ولبنان حول خط حدودهما في البحر الأبيض المتوسط عبر استفتاءٍ عام، إستناداً إلى ” قانون أساس- الإستفتاء الشعبي”، الذي ينصّ على أنّ تنازل الكيان الصهيوني عن” أرض من أراضيه”، يحتاج إلى أغلبيّة 80 عضو كنيست أو إجراء إستفتاء شعبي عليه، فُتح باب النقاش في الكيان حول هذا الأمر، فانقسمت الأراء بين وجهتي نظر:
الأولى، ترى أنّ أيّ قرار بالتخلّي عن منطقة صهيونية ذات سيادة ليس من صلاحية الحكومة، وفقاً لقانون أساس- الإستفتاء الشعبي؛ وهو ما برز في رسالة وجهها رئيسا كتلتي الليكود والصهيونية الدينية في الكنيست، ياريف ليفين (رئيس كنيست سابق) وأوريت ستروك، في رسالة إلى رئيس الحكومة، يائير لابيد،كما اشارا “أيّ تغيير في الخط الحدودي لإسرائيل يُقرّ في الكنيست بغالبية 80 عضو كنيست، أو يُعرض على استفتاءٍ عام بعد إقراره في الكنيست بأغلبية عادية”.ولفت عضوا الكنيست إلى أنّ “الحكومة برئاستكم (أي لابيد) ليست مخوّلة بالتوقيع على الإتفاقية التي تشمل تغييراً سيّئاً في خط الحدود البحرية لإسرائيل، لأنّ المسألة تتعلّق بحكومة سابقة تفقد اليوم الأغلبية في الكنيست، وأيّ إتفاقية ستوقّع من قبلها لا تحظى بالموافقة المطلوبة وفقاً للقانون وأيّ نقاش فيها سيكون باطلاً” ، ووفقا لتقارير صهيونية، فإنّ الحجّة الرئيسة للمطالبين بتحصيل موافقة 80 عضو كنيست أو إجراء إستفتاء عام للتنازل عن منطقة هي أنّه في عام 2011 أعلن الكيان الصهيوني حدوده البحرية مع لبنان، وفقاً للقوانين البحرية الدولية، ورفع قراره بهذا الشأن إلى الأمم المتحدة.
الثانية، ترى أنّ الأمر لا يحتاج لموافقة الكنيست، ويكفي إقراره في الحكومة، لأنّ التنازل عن مناطق في المياه الإقتصادية للدولة- حيث لا تمتلك سوى حقوق إقتصادية- لا يُشكّل تنازلاً عن السيادة وهو ما قاله وزير الطاقة الأسبق، يوفال شتاينتس (عضو في حزب الليكود، ومقرّب من رئيسه بنيامين نتنياهو) الذي قال “إنّ التنازل عن مناطق في المياه الإقتصادية للدولة- حيث لا تمتلك سوى حقوق إقتصادية- لا يشكل تنازلاً عن السيادة، وبالتالي لا تحتاج الحكومة لموافقة 80 عضو كنيست أو إستفتاء شعبي”. ولفت شتاينتس إلى أنّ “المياه الإقتصادية ليست مياه ذات سيادة، لأنّ الدول الأخرى، بما في ذلك الدول المعادية، يُسمح لها بالإبحار في المياه الإقتصادية أو التحليق فوقها. والإدعاء بأنّ هذا تنازل عن السيادة لا أساس له من حيث القانون الدولي. وعلى سبيل المثال، لا يمكن منع الآخرين من نقل خط أنابيب غاز أو كابل إتصالات عبر المياه الإقتصادية. إذا أردنا مدّ خط أنابيب غاز أو كابل إتصالات في المياه الإقتصادية لدول أخرى، فلن يتمكّن المصريون أو القبارصة أو اللبنانيون من منع ذلك” ، وفي تقدير قدّمه الرئيس الحالي لمركز أبحاث السياسة والإستراتيجية البحرية، العميد في الإحتياط شاؤول حوريف، قال إنّ إتفاقيات السياسة الخارجية للحكومة الصهيونية ، حتى عندما يتعلّق الأمر بحكومة إنتقالية، لا يجب أن تمرّ من خلال الكنيست .
انتصار للبنان
رغم الخلاف الواضح بين المكونات السياسية الصهيونية على الحدود البحرية الا ان هناك محاولات لاشاعة جو بأن اكبر المنتصرين في حال الوصول الى استفتاء هو لبنان حيث قال مصدر دبلوماسي كبير غير سياسي (معاريف- 14/08/2022) إنّ “الإلتماس (إلى المحكمة) هو أفضل شيء يمكن للحكومة اللبنانية أن تطلبه”، لافتاً إلى أنّه “لا (يوجد) مكان يحتفلون فيه بهذا التنازل أكثر من بيروت، ببساطة، أسفاً” ، وأضاف المصدر الدبلوماسي الكبير أنّه “منذ إتفاق السلام مع الأردن، قبل ما يقرب من 30 سنة، لم تتّفق إسرائيل مع إحدى جاراتها على خطٍ حدودي متّفق عليه وإنهاء المطالب حوله. وهذا التوافق مهمّ لإسرائيل جوهرياً ورمزياً وإستراتيجياً. اللبنانيون لا يريدون التوقيع على أيّ شيءٍ رسمي مع إسرائيل في الناقورة” .
المصدر: المنار