جاء الضيف الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان في المرة الأولى، ومن بعده المبعوث الأميركي دايفد هيل، وجاء ماكرون في زيارته الثانية، وتلاه المبعوث الأميركي دايفد شينكر، وما بين دايفد الأول ودايفد الثاني يختلف البعض من اللبنانيين في الرأي، أن الأول يُمثِّل الحمائم والثاني يمثِّل الصقور في الخارجية الأميركية، والحقيقة الفعلية أن كلاً منهما يرمز الى جناح طائرٍ أميركي كاسر، لا يتغيَّر بتغيير الرؤساء والوزراء ورؤساء الأجهزة في المؤسسة الأميركية، التي لا ترسل غصن زيتونٍ لأحد على جناح حمامة ولكن، جناح أي صقر أميركي ينكسر بإرادة داخلية لبنانية، رغم حرب التجويع والإنهاك التي تُمارسها أميركا علناً.
واجبنا هو نقرأ اللغة الفرنسية لدى الرئيس ماكرون باللهجة اللبنانية، والرجل يحمل مبادرات توافقية بعض بنودها مقبولة، والبعض الآخر ربما يكون قيد الدرس، لكن المهم أن فرنسا لا تتعاطى بفوقية مع المسؤولين اللبنانيين، ومَن راهنوا على أن لدى فرنسا الرغبة أو الإرادة أو القدرة على مناصرة فريق على فريق في لبنان خابت آمالهم، منذ تقدَّم البعض باستقالاتهم من مجلس النواب لفرض واقع إنتخابات نيابية مُبكرة، وصولاً الى سماع الجواب عبر الدعوة الى انتخابات فرعية لملء شواغر المستقيلين.
التوافق اللبناني علي بعض بنود المبادرة الفرنسية، لا يعني أنه ينسحب على الموقف من “دايفد الأميركي”، سواء كان هيل أو شينكر، لأن الرئيس ماكرون لامس واقع الأرض في قراءة اللهجة اللبنانية، بينما السياسة الأميركية تعتمد سياسة الرؤية عن بُعد، والموقف عن بُعد وإطلاق المواقف عن بُعد، وهذا قد يسري مفعوله على الكثير من الشعوب المقهورة لكنه لا يسري على اللبنانيين.
وبصرف النظر عن الموقف الأميركي من المبادرة الفرنسية في لبنان، فإن تجاوز دايفد شينكر كمبعوث حكومي لكل الأعراف والأصول الديبلوماسية والسيادية، وعدم دخوله لبنان من الباب، ولقاءاته مع منظمات غير حكومية ومع نواب مستقيلين دون لقاء الرسميين في السلطة، يندرج ضمن رهانات أميركية خاسرة كما دائماً، في استمرار الحرب على العهد والدولة وحصاد الخيبة.
وتصريحات دايفد شينكر العدوانية بحقّ المقاومة وحلفائها خلال هذه الزيارة ليست بجديدة، لكن مشكلته أنه يُطرب للمهلِّلين له رغم معرفته بِوَهَن أوزانهم السياسية والشعبية، وبمقدار ما حاول ماكرون ترتيب لقاء اللبنانيين على ما يجمعهم وطنياً، بمقدار ما يحاول شينكر تمزيق وحدتهم، وهذا ليس غريباً عن السياسات الأميركية.
لكن الواقعية تفرض على من “يشربون حليب السباع” مع كل موفد أميركي الى لبنان، سواء على طاولة كونداليزا رايس في عوكر عام 2006، أو دايفد شينكر الآن، أن يقرأوا باللبناني الترجمة الشعبية والرسمية على أرض الواقع، لأن كل ما هو غير سيادي سواء أتى من أميركا أو فرنسا غير قابل للتطبيق، وسياسة رسم المحاور في الداخل اللبناني تبقى على مستوى زواريب، لن يبلغ أصحابها مستوى القرار في ساحة الوطن…
المصدر: موقع المنار