خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 29-3-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 29-3-2019

الشيخ دعموش

نص الخطبة

في الخامس والعشرين من شهر رجب نلتقي بذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)، ولا بدَّ لنا أمام هذه الذكرى من أن نتعلم من هذا الإمام العظيم القيم والأخلاق والمفاهيم الإسلاميَّة الأصيلة التي تساهم في تكوين شخصيتنا وتقويم سلوكنا في الحياة، ليكون سلوكنا كأفراد وكمجتمع منسجما مع ما اراده الله، ومع ما جسده أئمة أهل البيت(ع) في حياتهم، ولتكون علقتنا بهم علاقة عمل وفعل وممارسة وليس مجرد علاقة عاطفية او قلبية تنبع من حبنا ومودتنا لهم .

وقبل ان اتحدث عن بعض كلمات ووصايا الإمام الكاظم(ع) لا بد من الحديث عن شخصيته وتاريخه وبعض من سيرته.

فهو الامام السابع من أئمة أهل البيت (ع) (الذين أذهب الله عنهم الرجس وتطهرهم تطهيرا) هو ابن الامام جعفر الصادق (ع).

ولد في السابع من شهر صفر سنة 128، وأولم الإمام الصادق(ع) بعد ولادته، فأطعم الناس ثلاثاً، ، ولد من أم أندلسية، وقيل بربرية يقال لها حميدة، كانت على درجة عالية من الصلاح والتقوى، وعاش بعد أبيه خمسة وثلاثين عاماً وهي مدة إمامته، قضى منها مع المنصور بعد أبيه نحواً من عشر سنوات، ومع ولده محمد الملقب بالمهدي عشر سنين، ومع ولده موسى الهادي سنة واحدة، ومع أخيه هارون الرشيد نحواً من خمسة عشر عاماً، وبنهايتها، كانت شهادته مسموماً في حبسه بواسطة السندي بن شاهك أمير السجن، في الخامس والعشرين من شهر رجب من سنة 183، كما هو المشهور بين الرواة.

بقي مع أبيه نحواً من عشرين عاماً، أدرك خلالها ومنذ ان كان في سن الطفولة وفود العلماء والمفكرين وطلاب العلم من جميع الأقطار التي كانت تغص بهم الجامعة الاسلامية التي اسسها الإمامين الباقر والصادق(ع) في المدينة، ومضت العشرون عاماً، وهو إلى جانب أبيه الامام الصادق (ع)، يأخذ عنه العلوم والمعارف والحكمة وما يؤهله إلى الإمامة العامة والقيادة التي تنتظره بعد أبيه، حتى أصبح وهو في مطلع شبابه مصدر إعجاب العلماء وتقديرهم، ومرجعا في حل أكثر المشاكل تعقيداً.

وقد ظهرعلمه ونبوغه منذ ان كان في سن الصبا، ولعلّ فيما رواه الرواة عن الحوار الذي جرى بينه وبين إمام المذهب الحنفي أبي حنيفة، وشهادة أبي حنيفة له بعد نهاية الحوار، وهو يوم ذاك لم يتخطّ سنّ الصبا، ما يشير إلى ذلك.

فقد روي أن أبا حنيفة وبينما هو جالس ينتظر الإذن بالدخول على الامام الصادق(ع)، خرج عليه الإمام موسى بن جعفر، وهو يوم ذاك لا يزال صبيا، فأراد أن يحدثه او يلاطفه ، فافتتح الحديث معه وسأله هذا السؤال: أين يحدث الغريب إذا أراد ذلك؟

قال: فنظر إليّ ثم قال: يتوارى خلف الجدار، ويتوقّى أعين الجار وشطوط الأنهار ومساقط الثمار، وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ويرفع ثوبه ويضع بعد ذلك حيث شاء..

يقول أبو حنيفة: فلما سمعت منه ذلك، نبل في عيني، وعظم في قلبي؛ فأردت أن أسأله سؤالا ثانيا، فقلت له: جعلت فداك، ممن المعصية؟

فنظر إليّ وقال: اجلس حتى أخبرك، فجلست مصغياً إليه، فقال: إن المعصية لا بدّ من أن تكون إما من العبد أو من ربه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله، فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإما أن تكون منه ومن العبد، وهو أقوى الشريكين، والقويّ أولى بإنصاف عبده الضعيف والعفو عنه، وإن كانت من العبد وحده، وهوكذلك، فعليه وقع الأمر، وإليه توجّه النهي، فإن عفا عنه فبكرمه وجوده، وإن عاقبه فبذنبه وجريرته.

وبعد أن سمع أبو حنيفة هذا الجواب وقف وقال: فاستغنيت بما سمعت من الغلام، وانصرفت بدون أن ألقى الامام الصادق وقلت: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

لقد اتفق من وصف الإمام موسى بن جعفر بأنّه كان أعبد أهل زمانه، وأزهدهم في الدنيا، وأفقههم وأسخاهم كفّاً وأكرمهم نفساً، وكان يصلّي نوافل الليل إذا دخل ثلثه الأخير، ويستمرّ في الصلاة إلى طلوع الفجر، فإذا جاء وقت صلاة الصبح صلاها، ثم يشرع في الدعاء والبكاء من خشية الله، حتى تخضلّ لحيته بالدموع، ويغشى عليه من خشية الله، وإذا قرأ القرآن يجتمع عليه الناس لحسن صوته، ويبكون أحياناً لخشوعه وبكائه، ولقّبه الناس بالعبد الصّالح، وأصبح يعرف بهذا اللّقب أكثر مما يعرف باسمه وكنيته.

وورد: أنه كان يلقَّب بالصالح والصابر والأمين والكاظم، ويعرف بالعبد الصالح، وسمي الكاظم، لأنّه كظم الغيظ وصبر على ما أحيط به من البلاء، وهو الذي سجن مرات عديدة، وفي بعض الروايات : أنه سمي الكاظم، لأنّه كان إذا بلغه عن أحد سوء، بعث إليه بمال يغنيه.

وقد جاء في وصف عبادته وطاعته وكراماته عن شقيق البلخي، أحد المعاصرين للإمام، قال: خرجت حاجّاً سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية، وإذا بشابّ حسن الوجه، شديد السّمرة، عليه ثوب صوف، مشتمل بشملة، وفي رجليه نعلان، فجلس منفرداً عن الناس، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاً على الناس، والله لأمضينّ إليه وأوبخنّه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلاً، قال: يا شقيق، (اجتنبوا كثيراً من الظنّ إن بعض الظن إثم)، فقلت في نفسي هذا عبد صالح قد نطق بما في خاطري، لألحقنه وأسأله أن يجالسني، فغاب عن عيني، فلما

نزلنا واقصة (منطقة على الطريق الى مكة) إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تنحدر على خدّيه، فقلت في نفسي: امض إليه واعتذر منه، فأوجز في صلاته وقال: يا شقيق، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} فقلت: هذا من الأبدال، قد تكلم عن سري مرتين، فلما نزلنا زيالاً، إذا به قائم على البئر، وبيده ركوة يريد أن يستقي الماء، فسقطت الركوة في البئر، فرفع طرفه إلى السماء وقال: أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء، وقوتي إذا أردت الطعام. فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها، فأخذ الركوة وملأها، وتوضّأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل هناك، (كتل من الرمال تكون في الصحراء عادة) فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب، فقلت: أطعمني من فضل ما رزقك الله وما أنعم عليك، فقال: يا شقيق، لم تزل نعم اللّه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربّك. ثم ناولني الركوة، فشربت منها، فإذا سويق (طعام يُصْنَع من مدقوق الحنطة والشَّعير) وسكر، ما شربت والله ألذّ منه ولا أطيب ريحاً، فشبعت ورويت، وأقمت أياماً لا أشتهي الطعام ولا الشراب. ثم لم أره حتى دخلت مكّة، فرأيته ليلة إلى جانب قبة الشراب نصف اللّيل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما طلع الفجر، جلس في مصلاه يسبّح، فلما انتهى، قام إلى صلاة الفجر، وطاف بالبيت سبعاً وخرج، فتبعته لأعرف أين يذهب، فإذا له حاشية وأموال وغلمان، وهو على خلاف ما رأيته في الطّريق، ودار به الناس يسلّمون عليه ويتبرّكون به، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال: هو موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).

هذا الحديث يصف عبادة الإمام وانقطاعه الى الله سبحانه، ويدل على صدور هذه الكرامة من الإمام(ع) ، والروايات الشيعية والسنية تنسب للإمام ولغيره من أئمة أهل البيت(ع) ما هو أعظم من هذه الكرامة، وليس مستهجناً على من استجاب لله وأطاعه وانقطع اليه، أن يستجيب الله لطلبه ودعائه، وأن يكون في عونه وأنة يجري على يديه كرامة من هذا النوع.

ونُحاول في هذه الخطبة أن نستفيد من بعض كلمات الإمام (ع) ووصاياه، لكي نستهدي بكلماته، ونرتبط بفكره ونحاول أن نجسد القيم والأخلاق التي جسدها في شخصيته وحياته.

من وصايا الإمام(ع) وصيَّته لهشام بن الحكم، قال: “يا هشام، كان أمير المؤمنين يوصي أصحابه يقول: أوصيكم بالخشية من الله في السرِّ والعلانية”، بحيث يكون الانسان مطيعا لله وصاحب تقوى وورع في السر والعلانية “والعدل في الرّضا والغضب”، أي أن تكون عادلاً تراعي حقوق النَّاس فلا تأكل حقهم ولا تسلب أموالهم، سواء كنت راضياً أو غاضباً، فلا يدفعك الرّضا عن شخصٍ إلى أن تعطيه ما ليس بحقّ، كأن تمدحه بغير حقّ، ولا يدفعك الغضب إلى أن تمنع إنساناً حقّاً، أو أن لا تعطيه ما هو بحقّ، أي لتكن عادلا في حالة الغضب والرّضا ، “والاكتساب في الفقر والغنى” فلا تكن بطّالاً وعاطلا عن العمل والسعي لطلب الرزق، فاعمل واسعى في كسب الرزق في حالة الغنى والفقر، لأنَّ الله لا يحبُّ العبد البطّال، “وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمَّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم”، وهنا يرسم الإمام عليّ(ع) الصّورة الحقيقيّة للمؤمن في أخلاقه، فلا تكون الأخلاق برسم البيع أو الشّراء، لأنَّ الأخلاق ليست تجاريّة، ولا تخضع للتجارة والعرض والطّلب، بمعنى أن أعطيك لأنَّك أعطيتني، وأصلك لأنَّك وصلتني، فهذه ليست أخلاقاً، بل هي بيع وشراء ومبادلة.

وأمَّا الأخلاق في حقيقتها، فهي تلك الّتي تنطلق من داخل شخصيّتك، فتصل من قطعك، لأنَّك تعيش معنى الصّلة، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، لأنَّك تعيش هذا الخلق، ولأنَّك لا تملك إلاَّ أن تكون العفوّ والوصول والمعطاء. وقد ورد في الحديث: “ألا أدلّكم على خير خلائق الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك”. وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق، “اللّهمّ وسددني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأُثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصّلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذّكر”.

ثُمَّ يقول الإمام عليّ(ع) في وصيَّته: “وليكن نظركم عبراً”، يعني حينما تمرّون بهذه الدّيار الَّتي يسكنها النَّاس المساكين، والقلاع الّتي بناها أُناس آخرون، فلتكن لكم العبرة فتأخذوا درساً، وليكن نظركم وسيلةً من وسائل الدّرس الّذي يعطيكم العبرة الّتي تستفيدون منها في حياتكم، “وصمتكم فكراً”، وعندما تصمتون، فإنَّما تصمتون للتّفكير ولتعميق المعرفة، “وقولكم ذكراً”، وعندما تتكلَّمون، ليكن كلامكم في ذكر الله، “وطبيعتكم السّخاء”، يعني العطاء بما تستطيعون، “فإنَّه لا يدخل الجنَّة بخيل، ولا يدخل النّار سخيّ”.

من السخاء أن تقدم وتعطي من إمكاناتك وطاقاتك لخدمة أهلك وشعبك وان تسخر قدراتك في حماية بلدك والدفاع عنه عندما يكون في دائرة الاستهداف .

ولبنان هو من الساحات الأساسية في المواجهة الدائرة في المنطقة بين أميركا وأدواتها وبين محور المقاومة نظرا لوجود حزب الله فيه الذي هو أحد أهم واكبر حركات المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني وحضورحزب الله القوي والفاعل والمؤثر في المعادلة الداخلية، ولذلك هو محط اهتمام واستهداف الامريكي وزيارات المسؤولين الامريكيين التي كان آخرها زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو.

زيارة بومبيو الى لبنان هدفها تخويف اللبنانيين من حزب الله والتهويل على لبنان وتحريض اللبنانيين ضد بعضهم واحداث المزيد من الانقسامات الداخلية وهو ما دأب عليه المسؤولون الأمريكيون في زياراتهم المتكررة الى لبنان، خصوصا في الفترة الأخيرة بعدما منيوا بالفشل في سوريا ولبنان والعراق، وبعدما وجدوا ان حزب الله يزداد حضورا على المستوى الداخلي الشعبي والسياسي ويزداد قوة واقتدارا على مستوى المقاومة.

ولكن محاولات الفتنة الامريكية الجديدة اصطدمت بجدار الوحدة الوطنية، وحرص اللبنانيين على الاستقرار الداخلي، فالمواقف التحريضية والأكاذيب التي اطلقها وزير الخارجية الامريكي ضد حزب الله في فلسطين المحتلة وفي بيروت لم تنجح في زعزعة ثقة اللبنانيين بمقاومتهم، ولم تغير في قناعاتهم ومواقفهم من المقاومة، لانهم يعرفون صدق المقاومة وحرصها على لبنان، وهي التي قدمت الشهداء والتضحيات الجسيمة لحماية لبنان وتحرير ارضه من العدوين الاسرائيلي والتكفيري.

وعلى اللبنانين ان لا يراهنوا على الامريكي لا في حماية لبنان من الأطماع الاسرائيلية بثرواتنا النفطية ولا في تقديم المساعدات ومعالجة الأزمات .

ما يحمي بلدنا من الأطماع والتهديدات هو قوتنا ومقاومتنا وارادتنا وجهوزيتنا وحضورنا واستعدادنا للتضحية ان نقاوم وان نواجه وان نصبر ونصمد فبالصبر والثبات واجهنا العدوان في المراحل السابقة وأفشلنا أهداف العدو وانتصرنا على اسرائيل وعلى الاٍرهاب التكفيري. الامريكي المتماهي بالكامل مع العدو والمنحاز الى العدو والذي اصبح اسرائيليا اكثر من الاسرائيلي لن يدافع عنا وعن بلدنا وعن حقوقنا النفطية.

الامريكي الذي يهددنا في كل يوم بالمزيد من العقوبات المالية و الاقتصادية ويهول على لبنان واللبنانيين لن يساعدنا على النهوض ببلدنا اقتصاديا ولا بمعالجة المشكلات التي يعاني منها البلد.

يجب ان يعتمد اللبنانيون على أنفسهم وعلى اصدقائهم الحقيقيين في النهوض بالبلد ومعالجة ازماته.

واليوم أولوية “حزب الله” هي الاستقرار الداخلي وعدم حدوث أي توترات من أيّ نوع، وتفعيل العمل الحكومي والحرص على ان تكون حكومة منتجة بما يتناسب مع مصالح الناس.

والحمد لله رب العالمين

المصدر: موقع المنار

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك