بين منشية يافا وجبل الخليل يوميات محمد عبد الهادي الشروف (1943-1962) – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

بين منشية يافا وجبل الخليل يوميات محمد عبد الهادي الشروف (1943-1962)

بين منشية يافا وجبل الخليل يوميات محمد عبد الهادي الشروف (1943-1962)
غلاف-بين-منشية-يافا-وجبل-الخليل

صدر هذا الكتاب حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، بإعداد وتحرير الباحث أليكس ويندر، وتقديم سليم تماري. وتتابع المؤسسة في هذا الكتاب، تطوير نهج جديد في الكتابة التاريخية، يشكل رؤية موازية للنهج التقليدي الغالب الذي يقوم على: كتابة التاريخ الاجتماعي والسياسي استناداً إلى أوراق القناصل والنخب والشرائح العليا في المجتمع وكبار المسؤولين الخ.. أما النهج الجديد الذي يمكن اعتباره “التاريخ من تحت” أو “دراسات التابع” فيتناول حياة المجتمعات بطبقاتها الاجتماعية المختلفة وفق ما يسجله مواطنون عاديون في سيرهم ومذكراتهم، كما هو حال صاحب هذه اليوميات، وحال كتب أخرى أصدرتها المؤسسة سابقاً ويرد ذكرها أدناه.

يقع الكتاب في 352صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى تقديم، ومقدمة، وفصول ستة، إضافة إلى فهارس ثلاثة: أعلام، وأماكن وموضوعات. وهو يتناول يوميات فلسطيني من قرية نوبا، الواقعة على بعد 11 كيلومتراً شمالي غربي الخليل، ولد سنة 1913 وتوفي سنة 1994. وتسجل يومياته، التي دوّنها ما بين عامَي 1943 و 1962، نشاطاته اليومية إلى جانب التطورات التي جرت حوله، منذ أن كان مالكاً متجر قماش في البلدة القديمة في مدينة القدس، إلى عمله شرطياً في منشية يافا والبلدة القديمة وقرية يازور خلال العقد الأخير من الانتداب البريطاني، ثم عودته إلى منطقة الخليل عشية نكبة فلسطين سنة 1948 ليعمل في إعادة بناء ما تبقى من أرضه في قريته نوبا ويساهم في الدفاع عن فلسطينيي القرى الأمامية، حتى اضطراره إلى التوجه نحو الرصيفة، سنة 1955، للعمل في شركة مناجم فوسفات الأردن.

في تقديم الكتاب، يشير سليم تماري إلى أن “يوميات الشروف” تنتمي إلى سلسلة من السِّيَر الشخصية تصدرها مؤسسة الدراسات الفلسطينية عن تاريخ فلسطين الاجتماعي، وأصبحت تُعرف بـ “دراسات التابع”، أي “الرؤية البديلة من كتابات النخبة”.وكان الهدف من هذه السِّيَر “استشراف الحياة الاجتماعية لكتّاب من أوساط شعبية، انتمى أصحابها إلى خلفيات متباينة من المهن والمدارك”، وقد شملت سابقاً مذكرات كل من خليل السكاكيني (مربّ)؛ واصف جوهرية (موسيقي)؛ نجاتي صدقي (كاتب ومناضل)؛ إحسان الترجمان (جندي عثماني).

أما معد هذه اليوميات ومحررها، أليكس ويندر، فيرى فيها “نصاً فريداً ومصدراً أولياً لفهم الحياة اليومية لقطاع كبير مهمش ومغمور من المجتمع الفلسطيني في فترة تتجاوز اللحظة المحورية في التاريخ الفلسطيني الحديث، نكبة 1948”. فهي توفر –كما تابع- “مصدراً مهماً لمن يتجاوز اهتمامهم النخب، ولمن تساعد جهودهم بشأن تضمين الأصوات الهامشية والثانوية في تاريخ فلسطين في تقديم مشهد أكثر اكتمالاً للمجتمع الفلسطيني، وفهم أكثر تركيباً للتجربة الفلسطينية”.ويضيف ويندر، في مقدمته، أن “يوميات الشروف” تشكّل في آن واحد “نوعاً من التاريخ العائلي، ومن تاريخ قرية نوبا، ومن تاريخ قرى صف العملة، ومن منطقة الخليل، ومن فلسطينيي الضفة الغربية، ومن هؤلاء الفلسطينيين الذين فُرض عليهم ترك منازلهم للحصول على سبل عيشهم عبر نهر الأردن”. وهي أيضاً “تاريخ موظفي الخدمة المدنية الفلسطينية والموظفين الحكوميين تحت الانتداب، ووجهاء القرية من المزارعين، والقوى الصناعية المتطورة في الأردن”. كما هي “سجل لتفاعلات اجتماعية لا تُعدّ ولا تحصى –تقاسم الشاي والقهوة والوجبات والمال والإسكان والنقل- إنها الأمور التي شكّلت الحياة اليومية للفلسطينيين قبل سنة 1948 وبعدها”.

يتناول الفصل الأول من “اليوميات” (عنوانه: “في نوبا والقدس خلال الحرب العالمية الثانية”ويغطي الفترة: 30 آب/أغسطس 1943 – 24 تشرين الأول/أكتوبر 1944) موضوعات تتعلق بالحياة الاجتماعية اليومية لصاحبها، وإصابته بالملاريا، وشؤون دكانه في البلدة القديمة في القدس، والخلافات التي كانت تقع في قريته، ووفاة ولده غازي، واستعداداته للعمل في الشرطة.

وفي الفصل الثاني (عنوانه: “في خدمة الشرطة في يافا” ويغطي الفترة: 25 تشرين الأول/أكتوبر 1944- 30 كانون الثاني/يناير 1948)، تتناول اليوميات عمل صاحبها شرطياً في مركز بوليس منشية يافا، وانتقاله للسكن مع أسرته في قرية يازور، ثم انتقاله إلى مركز بوليس البلدة في يافا، والحوادث اليومية التي كان شاهداً عليها خلال عمله: عمليات سرقة واحتيال؛ حالات سكر وعربدة؛ حوادث سير…إلخ. كما تتناول بعض الأحداث السياسية التي شهدتها فلسطين في تلك الفترة: تقرير لجنة التحقيق الأنجلو-أميركية؛ تفجير فندق الملك داود؛ إعلان تقسيم فلسطين والرد العربي عليه؛ بداية الصدامات بين العرب واليهود.

ويطغى الطابع السياسي على اليوميات التي احتواها الفصل الثالث (عنوانه: “أعوام الحرب والنكبة: 1947-1949” ويغطي الفترة: 1 شباط/فبراير 1948 – 31 كانون الأول /ديسمبر 1949)، والتيتتناول عودة عائلة الشروف إلى نوبا، وانتقال صاحب اليوميات إلى مركز بوليس الخليل، ومشاركته في الهجمات العربية على المستعمرات اليهودية، ودخول الجيش المصري إلى منطقة الخليل، وظروف القتال الذي كان يدور بين العرب واليهود، ثم دخول القوات الأردنية إلى المنطقة، وعقد مؤتمر أريحا بدعوة من الملك عبد الله الذي أعلن ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن، ومفاوضات رودس، وانتهاء خدمة صاحب اليوميات في البوليس وعودته للعمل في زراعة الأرض، وقافلة اللاجئين الذين انتقلوا إلى قطاع غزة.

وتتناول اليوميات في الفصل الرابع (عنوانه: “نوبا تحت الإدارة الأردنية: حقبة الملكين عبد الله وطلال” ويغطي الفترة: 13 آذار/مارس 1950 -1 أيار/مايو 1953)، شؤون القرية بوجه خاص: إحصاء السكان في نوبا؛ الصلح في القرية؛ الأراضي والزراعات والضرائب؛ توزيع الإعانات على فقراء القرية؛ الملاك والعمال في القرية؛ النادي الرياضي والمدرسة، كما تتناول بعض الأحداث السياسية: اغتيال رياض الصلح في عمان؛ انتخابات البرلمان الأردني؛ الحرس الوطني وتدريبه؛ مأساة سكان القرى الأمامية في لواء الخليل.

وفي الفصل الخامس (عنوانه: “نوبا تحت الإدارة الأردنية: حقبة الملك حسين”، ويغطي الفترة: 2 أيار/مايو 1953-2 آب/أغسطس 1955)، تتناول اليوميات تتويج الملك حسين وتأليف وزارته الأولى؛ وشؤون مدرسة القرية؛ وعلاقات صاحب اليوميات الشخصية مع أفراد عائلته ومع عدد من سكان القرية؛ ورحلاته إلى الخليل والقدس؛ وزيارات المسؤولين الأردنيين، وعلى رأسهم الملك حسين إلى القرية؛ وحصوله على العمل في شركة الفوسفات بالرصيفة.
أما في الفصل السادس والأخير (عنوانه: “العمل في الرصيفة” ويغطي الفترة: 3 آب/أغسطس 1955-6 شباط/فبراير 1962)، فتتناول اليوميات ظروف عمل صاحبها في شركة الفوسفات، وأخبار بعض أفراد أسرته، التي انتقلت إلى عمان، وميزانيتها ومصاريفها، كما تتناول أحداثاً سياسية شهدتها الأردن في تلك الفترة: أزمة الحكومة الأردنية ومغادرة غلوب باشا، والانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/اكتوبر 1956 وتشكيل حكومة سليمان النابلسي والعدوان الثلاثي على مصر، واتفاقية التضامن العربي وإلغاء المعاهدة البريطانية -الأردنية، ثم استقالة حكومة النابلسي.

وختاماً، فإن يوميات محمد عبد الهادي الشروف تشكّل مصدراً أولياً مهماً، من مصادر “التاريخ من تحت”، يمكن أن يستفيد منها الباحثون في التاريخ الاجتماعي-السياسي لفلسطين والأردن في العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين، كما يمكن أن يستمتع بقراءتها كل من يهتم بكتب المذكرات واليوميات.

المصدر: خاص

البث المباشر