كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله حول القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة ل”إسرائيل” والتي ألقاها عبر الشاشة 7-12-2017
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد أبن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
موضوع حديثي هذه الليلة هو القرار الأمريكي الأخير الذي أعلن عنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالأمس حول اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، بين هلالين، للكيان الصهيوني لكن قبل البدء لابد ونحن ما زلنا في أجواء الذكرى العطرة أن أوجه التحية والتبريك إلى جميع مسلمي العالم في هذه الأيام ذكرى ولادة رسول الله الأعظم خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الذكرى العطرة لولادة حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
أيها الإخوة والأخوات: نحن وكما قيل بالأمس في أكثر من مكان في العالم العربي والإسلامي نشعر أننا أمام وعد بلفور جديد، وعد بلفور ثانٍ.
هي صدفة أو محسوبة أنه بعد مئة سنة من وعد بلفور الأول جاءنا وعد بلفور الثاني.
أنا أود أن أتكلم بثلاثة عناوين في هذا الموضوع، طبعاً باختصار ممكن رغم كثرة النقاط التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان.
العنوان الأول: إدراك المخاطر، مخاطر هذا القرار الأمريكي، والإضاءة على بعض هذه المخاطر.
العنوان الثاني: في بعض دلالات هذا القرار الأمريكي، هذا ماذا يعني، وعلى ما يدل وماذا يحوي.
العنوان الثالث: في الموقف المطلوب وخاتمة.
أولاً: في إدراك مخاطر القرار الأمريكي:
عندما ندرك حجم المخاطر المترتبة على هذا القرار، هذا سيشكل حافزاً لدينا جميعاً، سيشكل حافزاً للجميع للحركة ولتحمل المسؤولية، وأيضاً من جهة أخرى لعدم الإصغاء للأصوات التي ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد يوم يومين ثلاثة، عندما كل واحد يعبر عن رأيه، أنا أتوقع سنسمع أصواتاً في العالم العربي والإسلامي تقول ما حصل ليس له أهمية وليس له قيمة ولا يوجد شيء وبالتالي تهوين أهمية ها القرار وخطورة هذا القرار.
بالعودة إلى المخاطر مقدمة صغيرة كلنا يعلم بأن العدو الإسرائيلي، أن هذا الكيان وقادة هذا الكيان هم أساساً لا يحترمون القرارات الدولية، وهذا أمر مثبت عندما نستعرض كل القرارات الدولية، ولا يحترمون مواثيق دولية ولا يحترمون اتفاقيات دولية ولا يحترمون حتى الاتفاقيات التي وقعوها هم. مصلحتهم هي الأعلى وهي الحاكمة ولا يحترمون حتى ما يسمى بالمجتمع الدولي أو الإرادة الدولية، لا يهمها ماذا تقول الدول العربية أو تقول الدول الإسلامية أو تقول الدول الأوروبية حتى الأوروبية أو روسيا أو الصين أو أمريكا اللاتينية أو كندا أو أستراليا.
بالنسبة لهذا الكيان ما يعنيه بشكل أساسي هو الولايات المتحدة الأمريكية والموقف الأمريكي. هذا معلوم.
وبالتالي لعقود من الزمن الماضي كانت حكومات العدو المتعاقبة تحاول أن تهوّد القدس، أن تصادرها بكل الأبعاد، بشرياً وعلى مستوى السكن وعلى مستوى المقدسات وعلى كل صعيد.
لكن كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أيضاً، تحت عنوان أنها هي راعية السلام وهي المشرفة على المفاوضات وهي المعنية بأن توازن بين دول المنطقة وإسرائيل وحلفاءها العرب وما شاكل، كانت أحيانا تسمح بحدود وأحياناً تمنع الخطوات الإسرائيلية في القدس.
مثلاً مسيرة تهجير الفلسطينيين من القدس رويداً رويداً، أحيانا تغض أمريكا النظر وتعطيهم كما يقال عندنا “قبة باط” تعود وتمنع وتتخذ موقفاً. كله كان يسير بهذا السياق.
في موضوع بناء المستعمرات أيضا رويداً رويداً، أحياناً تمنع، أحياناً تسهّل، وأحياناً تغض النظر في موضوع مصادرة بيوت وأملاك الفلسطينيين. نفس الأمر في موضوع الاقتراب تدريجياً من المسجد الأقصى.
فإذا الموقف الاميركي كان يشكل حاجزاً أو مانعاً بشكل أو بآخر دون الاندفاعة الإسرائيلية للهيمنة والسيطرة المطلقة وتنفيذ كامل البرنامج الصهيوني في القدس.
إذا التفتنا إلى هذه المقدمة نفهم خطورة القرار الأميركي الجديد، لأنه ماذا قال لهم ترامب؟ قال لهم هذه القدس كلها، غربية وشرقيها، هذه القدس لكم، هذه أرضكم، هذه عاصمتكم، هذه تخضع لسيادتكم. حسناً، الحاجز الأميركي التكتيكي الذي كان له علاقة بالدبلوماسية وبالإدارة السياسية للمفاوضات وبالتوازن ودوزنة المواقف بين الكيان الصهيوني والدول العربية والإسلامية، هذا كله سقط بالأمس بالضربة القاضية.
الآن حكومة العدو نتنياهو وجماعته، هم ليس هناك الآن حاجزاً أمامهم بعد هذا الموقف الأميركي، وهذا يدخلنا إلى بعض التفصيل للمخاطر، أبدأ تدريجياً وأصعد إلى أعلى:
أولاً: السكان الفلسطينيون في القدس الشرقية، ما هو مصيرهم بعد هذا القرار الاميركي، هل تفرض عليهم الجنسية الاسرائيلية؟ يعني يكون مصيرهم مثل فلسطينيي الـ 48؟ أم يتم تهجيرهم، أم أم أم، ما هو مصيرهم؟ إذا كان في السابق يوجد تحفظات حول تهجير الفلسطينيين من القدس، يعد هذه القرار الأبواب باتت مفتوحة.
ثانياً: ما هو مصير أملاك الفلسطينيين في القدس؟ في السابق كنا نشاهد على وسائل الإعلام مسرحيات إسرائيلية، يصادر (العدو) بيتاً هنا، وبيتاً هناك، يدمر بيتاً هنا وبيتاً هناك، تارة بحجة مخالفة القانون أو لا يوجد مستند قانوني أو إجازة بناء من البلدية، أو أو أو، الآن ما هو مصير هذه الأملاك، تُصادَر تُهدَم؟ الآن انتهى، لأنه من خلال السيادة لا يوجد مانع أميركي، والإسرائيلي سيتصرف بسيادة كاملة. إذاً املاك الفلسطينيين، بيوتهم، وممتلكاتهم، حقولهم أراضيهم في القدس (ما مصيرها؟).
ثالثاً: في السابق إذا كان (العدو) يبني مستوطنة 100 بيت أو 200 بيت، يعلو صوت الأوروبيين والأميركيين، يقولون لهم اسكتوا ولنصبر قليلاً، الآن سوف نشهد ظاهرة استيطان هائلة، وسريعة وبلا ضوابط وبلا حدود في داخل القدس الشرقية وفي كل محيط القدس.
رابعاً: ستتسع القدس أكثر باتجاه الضفة الغربية تحت عنوان القدس الكبرى، غداً كل ما يضم إلى القدس أصبح كالقدس! أصبح جزءاً من القدس الكبرى، وهذا يخرج من المفاوضات، هذا إذا بقي هناك مفاوضات، وعلى هذا الصعيد، يعني في موضوع السكان والأملاك والبيوت والمستعمرات والاستيطان، ما قام به الإسرائيليون منذ عقود سيقومون بما هو أعظم منه خلال فترة زمنية وجيزة جداً، وهذه هي الخطورة.
خامساً: وهنا أيضاً نكون نرتقي بالأهمية، مصير المقدسات الاسلامية والمسيحية.
حسناً، في السابق كان أنّ القدس في وضع خاص ومعترف فيه دولياً وإلخ…
الآن أين يوجد وضع خاص؟ السيادة على المقدسات الإسلامية والمسيحية بحسب الاعتراف الأميركي هي للإسرائيليين، وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون، ونحن نسمع منذ البداية وفي السنوات القليلة الماضية، أصواتاً تتعالى أنه هذه هي الفرصة التاريخية لإعادة بناء الهيكل وتنفيذ النوايا الصهيونية على هذا الصعيد، يمكن بعد هذا الإعلان بصراحة أن نقول نعم، المقدسات الإسلامية والمسيحية في خطر شديد ويجب أن ندق ناقوس الخطر ولكن ما هو ما خطر أعظم وأدهى هو نفس المسجد الاقصى، الذي في يوم من الأيام، لا يستغرب أحد بعد الذي يحصل في العالم أن نستيقظ صباحاً ويقال لنا إنه كان يوجد حفريات تحت المسجد الأقصى ولا أحد يعرف ماذا حصل، قاموا بحفر نفق أو هدموا حائطاً فانهار المسجد ولا تؤاخذوننا يا جماعة، هذا يمكن أن يحصل في أي ليلة وفي أي لحظة، إذاً مصير المقدسات المسيحية والاسلامية خصوصا المسجد الأقصى (في خطر).
سادساً: مصير القضية الفلسطينية برمتها، يعني القدس هي قلب القضية الفلسطينية، هي مركز القضية الفلسطينية، محور القضية الفلسطينية، جوهر القضية الفلسطينية. عندما يتم إخراج القدس من هذه القضية، ماذا بقي؟ لم يبقَ شيء، اليوم ترامب ماذا يقول للفلسطينيين وللشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والإسلامية والعالم: لم يعد هناك قضية فلسطينية، هذا الأمر انتهى، يوجد أناس فلسطينيون، بعضهم موجود داخل اسرائيل في تعبيره، بعضهم موجود خارجها، علينا أن نجد لهم حلاً، أين نسكنهم وماذا نعطيهم، أنأخذهم إلى الأردن أو إلى سيناء، نعطيهم حكماً ذاتياً؟ ماذا نفعل بهم في غزة، الموضوع بهذا الحجم، أما قضية فلسطينية وقلب وجوهر القضية الفلسطينية وهو القدس بالنسبة الى اميركا، أمس انتهى هذا الامر، وهذا حتى برسم الذين يؤمنون بالمفاوضات، فضلاً عن مصير الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، حسناً، أين يوجد بعد قدس عند الاميركي؟ لحتى انت تفاوض، يجمع الفلسطينيون بمعزل عن من يطالب من النهر إلى البحر أو يقبل بال 67 دائما أو يقبل بها مؤقتا، أن عاصمة دولتهم الفلسطينية أيا يكن حجمها يجب أن تكون القدس الشرقية. اليوم الاميركي شطب على هذا الأمر بشكل نهائي، إذا كان الأميركي الذي هو الراعي والضامن، يعني راعي المفاوضات وضامن الاتفاقات إذا حصلت، يقول لنا جميعاً وللفلسطينيين، القدس خارج المفاوضات، خلاص، هذا ليس موضوعاً قابلاً للمفاوضات، ولا للتفاوض ولا للحديث، نتحدث بشيء آخر، الذي يريد أن يتفاوض فلنتحدث بأشياء أخرى، ولكن لن نتحدث عن القدس، هذا ماذا يعني؟ بالنسبة للذين يعنيهم أمر المفاوضات وما يسمى بعملية السلام بكل وضوح وصراحة بعضهم قال هذا، بالأمس، أطلق ترامب الرصاصة الأخيرة على هذه العملية، بل قال البعض أصلا هي عملية ميتة ولكن ترامب كان لديه الجرأة للإعلان عن موتها، ولكن قد يكون هناك في العالم العربي من يصر على انها ما زالت على قيد الحياة.
أيضا من المخاطر، أختم بهذا البند، لمن هو خارج القدس، عندما تتجرأ أميركا على ما هو أعز عند الفلسطينيين وعند العرب والمسلمين والمسيحيين والعالمين العربي والاسلامي، وتأخذها وهو القدس، فإذاً ما هو مصير الضفة الغربية؟ وما هو مصير الجولان؟ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأي شيء آخر؟ عندما يتجرأ على ما هو أعز عندك وأقدس لديك ولا يخاف من شيء ولا يعمل حساب شيء على الإطلاق، فهو فيما هو لا يوازيها بالقداسة والأهمية والبعد الحضاري والوجداني والديني كيف يتصرف، ولذلك كل القضايا الأخرى التي هي موضع صراع مع العدو الاسرائيلي ستكون مهددة خصوصاً اذا تم السكوت عن هذا القرار الخطير.
هذه بعض المخاطر على عجالة، وإلا إذا تأملنا قليلاً، ويأخذ الشخص وقتاً أكثر، يعني 48 ساعة أو يومين ثلاثة، ويفكر مجموعة من الناس بالأمر، سوف نكتشف الكثير من المخاطر المترتبة على هذا القرار وخصوصاً إذا تم السكوت عليه، لأنه أبعد مما هو الصراع العربي الإسرائيلي. من أهم الخاطر هو الاستباحة الاميركية لكل شيء في العالم العربي والعالم الإسلامي، لأن الأمة التي تسكت عن اغتصاب القدس واقتطاعها من تاريخها وحضارتها وقلبها وعقلها وروحها ووجدانها هي أمة يمكن أن تتخلى عن أي شيء آخر له علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي أو أي شيء تطمع فيه الإدارة الاميركية او تتطلع إليه.
ثانياً: في بعض الدلالات، يعني أمس ترامب وهو يعلن هذا القرار ويوقع بهذا المشهد وما رافقه وحوله وقبله ومعه بعض الدلالات، بحسب الظاهر بأن دول العالم كلها ترفض هذا القرار ولا تؤيده باختلاف اللهجة. بحسب الظاهر أيضاً أن جميع الدول العربية والإسلامية ترفض هذا القرار ولا تؤيده. حسناً، هذا معناه أن العالم ودول العالم كله تقول لترامب نحن نرفض هذا القرار وهذه الخطوة، بعضه يقول نرفض، بعضه يقول نأسف، بعضه يقول لا نؤيد، بعضه يشجب، بعضه يدين على اختلاف اللغة وأدبيات الموقف، فإذا به لا يصغي لأحد ولا يقبل من أحد، ولا يحترم أحداً، لا حلفاؤه الاوروبيين، ولا حلفاؤه بالعالم العربي والاسلامي، ولا ما يسمى بالمجتمع الدولي، إذا كل هذه الدول ليست مجتمع دولي، يعني من هو المجتمع الدولي؟ واشنطن؟ وتعرفون أن الأميركيين دائما، أحياناً يشنون حروباً على شعوب وعلى حكومات تحت عنوان أنها لا تحترم إرادة المجتمع الدولي، فأين احترامهم لإرادة المجتمع الدولي؟ أين احترامه للإرادة الدولية؟ أين احترامه لدول العالم؟ ما شهدناه بالأمس هو استهانة واستخفاف بكل دول العالم، بكل عواصم العالم، بكل حكومات العالم من أجل إسرائيل – نأتي لها بالأخير.
حسناً، هذا واحد. أيضاً هو يعرف والأميركيون في إدارته يعرفون، أن في هذا إهانة، ليس استهانة فقط، أن في هذا إهانة واعتداء على مشاعر مليار وأربعمائة أو خمسمائة مليون مسلم في الحد الأدنى في العالم، ومعهم مئات الملايين أيضاً من المسيحيين الذين لا يوافقون على هذه الخطوة ويشعرون بالإهانة وبالاستفزاز. حسناً، لا نريد أن نجمع الآن عدداً كبيراً، مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين بالأمس شعروا بالإهانة أن المدينة المقدسة لديهم، أن المدينة التي تحتوي مقدساتهم وتحمل هويتهم الدينية والحضارية وتمثل تاريخهم الطويل والمجيد تم إعطاؤها هكذا لدولة صهيونية مصطنعة، ومصادرة كل هذا التاريخ وكل هذه القيم وكل هذه المعاني. إذاً نحن أمام رجل وأمام إدارة لا يعنيها لا كرامات ولا مشاعر ولا عواطف ولا وجدان ولا قيم مليارات أو مئات الملايين من الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة وفي العالم.
أيضاً من الدلالات، وخصوصاً في قضية مقدسة من هذا النوع، من الدلالات، لأن هذا قيل أمس أيضاً من قبل حكومات ودول وسياسيين كبار حتى من قبل السلطة الفلسطينية وآخرين، أن ما فعله ترامب هو خرق للقرارات الدولية وللمواثيق الدولية وللاتفاقات الموقعة والتي تم رعايتها من قبل الأميركيين أنفسهم، هذا أيضا ًمن الدلالات، وهذا يعني أننا أمام إدارة أميركية لا تحترم القرارات الدولية وهي تريد من العالم أن يحترمها، ولا تلتزم بالاتفاقيات الدولية وتنسفها ساعة تشاء وتنسحب منها ساعة تشاء وتضربها بعرض الحائط ساعة تشاء، ثم تحارب دولاً وشعوباً وحكومات بحجة أنها خرجت على قرارات دولية أو مواثيق دولية. هذه أميركا التي تحاول اليوم أن تفرض نفسها على العالم، إذاً نحن أمام إدارة لا تشكل أي ضمانة، لا التزامها ولا عهودها ولا مواثيقها ولا اتفاقياتها ولا ضماناتها، ولا رعايتها ولا التزاماتها، كل ما تلتزم به إدارة أميركية قد تأتي إدارة أخرى أو يأتي رئيس آخر وفي ليلة وضحاها ينسف كل شيء ولا يحترم وليس لديه أي قيمة لما يسمى قرارات دولية واتفاقات أو مواثيق أو عهود أو عقود أو ما شاكل وهذا يعني أنه لم يعد هناك أمن وأمان في هذا العالم، أصبح العالم محكوماً بشريعة غاب وبأهواء الرجل الذي يسكن في البيت الأبيض.
من جملة الدلالات أيضاً، وهذه نقطة مهمة جداً، أنه ما هي قيمة حلفاء أميركا لأميركا؟ حلفاؤها في الدول العربية، حلفاؤها في الدول الإسلامية، هذه الدول العربية والدول الإسلامية أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية ودول كبيرة وعظيمة ومهمة، ماذا تعني للإدارة الأميركية؟ ماذا تعني لترامب؟ وفي قضية حساسة من هذا النوع؟ لا شيء، لا شيء. سمعنا قبل إعلانه للقرار أنه فلان الملك وفلان الأمير وفلان الرئيس وفلان الزعيم وفلان اتصل وحذر ونبّه ورفض وشجب، ألم يقال ذلك في وسائل الإعلام؟ هل أصغى لأحد؟ هل احترم أحداً؟ هل قدّر أحداً؟ يعني يجب على جميع حكام العرب والمسلمين وجميع الدول العربية والإسلامية وجميع الشعوب العربية والإسلامية أن تفهم جيداً من خلال هذه التجربة أنها لا تساوي شيئاً على الإطلاق بالنسبة للرئيس ترامب والإدارة الأميركية وأميركا، وفي قضية بهذا المستوى من القداسة وهذا المستوى من الحساسية، هذا يجب أن يبقى في البال. والذين نظّروا خلال السنوات الماضية للذهاب أبعد ما يمكن إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوى تراجع أهمية إسرائيل، تعرفون كان هناك نظريات بالعشر سنوات الماضية بأن إسرائيل تراجعت قيمتها عند الأمريكان وتراجعت أهميتها والأمريكان الآن أصبحوا يرون بعينين وليس بعين واحدة، ويراعون كل المصالح، تبيّن أن هذا كله كلام فارغ وأن كل ما عدا إسرائيل في المنطقة ليس له أي قيمة ولا يتم الوقوف لا عند خواطره ولا عند مشاريعه ولا عند مصالحه ولا عند تمنياته ولا حتى عند توسلاته وأن الأول في المنطقة بالنسبة لأمريكا هو إسرائيل والتي تقدم مصلحتها على كل المصالح وكرامتها على كل الكرامات وأمنها على كل الأمن وموقعها وقوتها على كل المواقع هي إسرائيل.
لذلك نحن أمام عدوان أميركي سافر على القدس وعلى أهلها وعلى مقدساتها وعلى هويتها الحضارية وعلى فلسطين وشعبها وقضيتها وعلى كل الأمة، حكومات وشعوب وتاريخ وحضارة، ونحن أمام ما قام به ترامب بالأمس، أمام منكر عظيم وظلم تاريخي كبير للمقدسات وللأمة وأمام استعلاء واستكبارٍ وعتوٍ قلّ نظيره مما يرتب على الجميع مسؤوليات في المواجهة.
ثالثاً: في الموقف: نحن أمام هذا العدوان الأميركي السافر على مقدساتنا، على مدينتنا المقدسة، على شعبنا الفلسطيني، على أمتنا العربية والإسلامية، على حضارتنا وتاريخنا، نحن معنيون لأن نتحمل المسؤولية.
حسناً، أيضاً في الموقف، هناك مقدمة يجب أن أقولها، بالأمس سمعنا وقبل الأمس محللين – الآن لا أقول مسؤولين – محللين إسرائيليين كبار كانوا قادة أمنيين وعسكريين وسياسيين وبعضهم صحافيون ولكنهم قريبون من رئيس حكومة العدو، ماذا قالوا؟ يعني مفيد نحن الأمة، الشعوب العربية، اللبنانيين، الفلسطينيين، كل شعوب المنطقة، نسمع هؤلاء ماذا قالوا. قالوا إن كل ما يقال عن ردات فعل أو مواقف أو تداعيات لقرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بين هلالين ونقله للسفارة من تل أبيب إلى القدس ليس له قيمة، لن يحصل شيء في العالم العربي والإسلامي، لن يحصل شيء، لن تكون هناك ردات فعل، لأن – أيضاً انتبهوا لنفهم كل شيء حصل من 2011 لليوم – لأن الشعوب العربية والإسلامية نسيت فلسطين وتخلت عن فلسطين وتخلت عن القدس وعن الفلسطينيين وكل بلد مشغول بنفسه ولا أحد لديه الوقت ليتخذ موقفاً أو يقوم بردة فعل، هذا قالوه وبكل وقاحة قالوه، يعني ليست معلومات خاصة، هذه على التلفاز بوسائل الإعلام الإسرائيلية، وبالتأكيد هناك مراكز تقدير الموقف الأميركي والإسرائيلي لأنه هم قالوا إن هذا نوقش بشكل مباشر ومشترك، في مراكز تقدير الموقف، يمكن عندهم تقدير الموقف هو هذا ولذلك كان لديهم هذه الجرأة في اتخاذ هذا القرار الذي كما قلت يعبر عن استهانة خطيرة وكبيرة جداً للعالمين العربي والإسلامي وبكل المجتمع الدولي، وأنه ليس هناك شيء، وإذا أحد تكلم، هم متوقعون أنه لا أحد يتكلم، لا أحد لديه وقت ليتكلم، لا أحد له قابلية ليتكلم، لكن إذا تكلموا؟ يتكلمون ليوم أو يومين وثلاثة وهؤلاء الناس هكذا، يصرخون يومين ثلاثة وانتهى الموضوع ويعود كل شيء كما كان قبل إعلان قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يعني نعود إلى ما كنا عليه قبل هذا الإعلان ولن يتغير شيء في المنطقة لا في فلسطين ولا في المنطقة ولا في العالمين العربي والإسلامي، هذا التقدير الأميركي الإسرائيلي والذي شجعهم وجرّأهم ودفعهم إلى القيام بهذه الخطوة المجنونة، هذا أيضاً يرتب أن المسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع اليوم هي مسؤوليات عالية جداً.
حسناً، بالموقف، أنا بالحقيقة الذي أقترحه بعض الأمور لكن قسمتهم إلى قسمين:
القسم الأول، الاحتجاج: كل شيء عنوانه احتجاج وإدانة واستنكار وتنديد وشجب وإعلان رفض لهذا العدوان الأميركي السافر ولهذه الخطوة الخطيرة ومن جهة أخرى إعلان التضامن والتأييد والوقوف إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين وقضية القدس وأنها تهمنا جميعاً وأنها مسؤوليتنا وأنها تعنينا من جهة أخرى، هذا العنوان مطلوب، هذا أضعف الإيمان، يعني ممكن أحد أن يقول يا أخي الآن ماذا نستفيد من الكلام، لا، يجب أن نتكلم، هذا أضعف الإيمان، لا يستهين أحد ولا يستخف أحد لا بالموقف ولا بالبيان ولا بالخطاب ولا بكل أشكال الشجب والاحتجاج التي سأتحدث عنها بعد قليل. هذا مطلوب طبعا مطلوب ما هو أكثر منهم ولكن إن لم يقم البعض بما هو أكثر فلا يسقط هذا الواجب الحقيقي الملقى على عاتقنا جميعاً. كل أشكال الاحتجاج والإدانة والاستنكار والشجب والتنديد يجب أن تسمعه الإدارة الأمريكية وأن يشعر به الكيان الغاصب على امتداد العالمين العربي والإسلامي بل على امتداد العالم.
إذا أخذنا بعض الأمثلة اليوم مثلا مواقع التواصل الاجتماعي واحد يجلس في منزله لن يطلق النار عليه كمن يطلق عليه النار من يتظاهر في داخل فلسطين، ولا ستمطر عليه الدنيا ولا شيء. أضعف شيء، أبسط شيء، كل من يعنيهم هذا الأمر كل إنسان حر وشريف في العالم وليس فقط في العالم العربي والإسلامي وعلى مدى أيام بل على مدى أسابيع إذا يوميا كل من يجلسون على مواقع التواصل الاجتماعي يدينون ترامب وما قام به ويؤكدون على أن القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين ويرفضون تهويد القدس وا وا وهذا التعبير عن هذا الموقف، نشر مئات ملايين التغريدات، مثلاً مئات ملايين المواقف على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال أيام وخلال أسابيع هذا عندما ينعكس على الإدارة الأمريكية وعلى الكيان الصهيوني سيحول الفرحة إلى غم وسيدركون أنهم يواجهون رأياً عاماً كبيراً وعظيماً جداً، وهنا نحن ما الذي نفعله لا نزلنا تحت المطر ولا فتحنا صدرنا للرصاص، بكل بساطة، بكل بساطة، وهذا أقول من أضعف الإيمان ومن أقل الواجب. إن كل رجل، كل امرأة، كل شاب، كل صبية على امتداد العالمين العربي والإسلامي وعلى امتداد العالم فقط كل يوم يتخذ موقفاً ويعبر عن موقف على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه واحدة من الفرص التي توفرها اليوم مواقع التواصل ولا تستطيع إدارة المواقع أن تغلق حسابات عندما تجد مئات الملايين، عشرات الملايين بالحد الأدنى، هذا الأمر ممكن، نعم هذا الأمر متاح.
الليلة، غداً، خلال أيام، كل ساعة، هذا الأمر متاح ويجب أن يتصرف كل شاب وكل شابة وكل رجل وكل امرأة أن هذا واجب عليه وأن هذا أقل واجب عليه.
في هذه الأيام من أجل القدس
إصدار البيانات والمواقف على امتداد العالم العربي والإسلامي، أشخاص، شخصيات، جهات معنوية، علماء، مفكرون، إعلاميون، نخب، مهن حرة، نقابات، مدارس، جامعات، مؤسسات، كل شيء، كل شيء، لدينا أطر، أحزاب، حركات، قوى سياسية، كل شيء، لدينا أطر ومؤسسات اجتماعية وثقافية وإعلامية وسياسية على مستوى العالم والعالمين العربي والإسلامي، يجب أن تصدر بيانات، ويجب أن تعبر عن موقفها، ولا يجوز لها أن تسكت، ولا يتعاطى أحد بأنه لا أنا إذا تحدثت هذا ماذا يقدم وماذا يؤخر؟ إذا تحدثت بمفردك، ربما إذا أنا تحدثت بمفردي ربما، لكن إذا تحدثنا جميعا وكلنا أدنّا، وكلنا احتججنا وكلنا شجبنا وكلنا رفضنا وكلنا أكدنا على الهوية الحضارية الحقيقية للقدس، فالأمر سيكون له قيمة عظيمة جداً وعالية جداً. إذاً البيانات المواقف عقد اللقاءات والاجتماعات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات للتعبير عن الموقف.
إقامة الاعتصامات والتظاهرات، واليوم الشعب الفلسطيني من أمس قبل اليوم، هناك مواجهات وجرحى ولا اعلم أن كان هناك شهداء، عندما نتظاهر نحن وتتظاهر أنت ويتظاهر فلان وفلان وفي العالم العربي وفي العالم الإسلامي بل أيضا في عواصم العالم، الجاليات العربية والإسلامية، ينظر ترامب هكذا، ويقول أنا إلى أين دخلت، بأي زجاج بأي حائط؟ هؤلاء الذين قالوا لي لن يكون هناك أي ردة فعل في العالم. من قال بأن هذه التظاهرات التي إن خرجت وستخرج إن شاء الله في أماكن كثيرة أنها ليس لها رسالة؟ لها رسالة قوية في مواجهة العدوان ولها رسالة تضامن قوية للشعب الفلسطيني الذي يقف اليوم في خط الدفاع الأول عن القدس وعن المقدسات وعن فلسطين.
أيضاً من جملة أشكال الاحتجاج، لن نقول للدول العربية والإسلامية اقطعوا علاقاتكم مع أميركا، يوجد سقف كلام عالٍ، لن نتحدث بسقف مرتفع، سوف نتحدث بالمعقول وبالممكن.
بالحد الأدنى الدول العربية والإسلامية ـ جيد الجميع أصدر بيانات والجميع عبر عن رأيه ـ ويوجد خطوة شكلية ولكنها مهمة ومؤثرة أن يتم استدعاء السفراء الأميركيين في كل عواصم العالمين العربي والإسلامي حيث يوجد، والى وزارات الخارجية وإبلاغهم احتجاجاً رسمياً، وهذا يسجل ويدون، هذا للتاريخ وللحاضر وللمستقبل، هذا شكل من أشكال الاحتجاج السياسي والمعنوي والمؤثر.
وليس فقط إصدار بيان وانتهت الحكاية، كلا استدعِ السفير وأفهمه أن رئيسك وإدارتك أقدمت على عمل خطير وعلى ظلم كبير وعلى إهانة عظيمة ووضعت المنطقة أمام مخاطر ليست معلومة النتائج وأمام تداعيات. أنتم إاستهنتم بهذه التداعيات، هذا شكل من أشكال الاحتجاج.
هذه بعض العناوين، لكن العنوان العريض دعونا نسميه: كلنا مسؤولون ألا نسكت. أعيد واقول لماذا؟ لأنه سيخرج اليوم أيضا في العالم العربي والاسلامي من يُنّظر ويقول “يا اخي شو في بينفع الحكي” ماذا ينفع في تغريدة التويتر وفي البيان والاعتصام والمظاهرة والندوة واستدعاء السفير. كلا، هذا كله مطلوب على كل حال، وهو ينفع بالتأكيد، هو ينفع طبعاً، ليس حاسماً صح، ولكنه مفيد ومهم ومؤثر معنوياً في جبهة الصديق وأيضاً معنوياً في جبهة العدو.
العنوان الثاني الذي هو إجراءات وتدابير لتحصين الموقف وللضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن هذا القرار ولتجميد هذا القرار، ولا يقولنّ أحد أن هذا مستحيل، لا يوجد مستحيل عند الاميركيين، الاميركيون يعملون لمصالحهم، الاميركيون برغماتيون تهمهم مصالحهم، أحياناً تسبّهم وتشتمهم وأيضاً تقاتلهم وفي الآخر “يفتحون معك خط” ليعملوا معك تسويات في حال كنت قوياً وإذا كنت محترماً، يتهمونك بالإرهاب ويفتشون عن خطوط ليفتحوا ويتكلموا معك ويبعثوا لك الرسائل ويتفاوضوا معك.
الدليل انه هناك الكثير من القرارات أخذوها والاتفاقات وقعوها وانسحبوا منها وخرجوا منها عندما اقتضت مصالحهم شيئاً آخر.
وأيضاُ للضغط على الكيان الإسرائيلي حتى لا يندفع في اتجاه ترتيب الآثار على هذا القرار الذي اسمه عاصمة إسرائيل الأبدية سواء فيما يعني السكان أو فيما يعني الأملاك أو فيما يعني المقدسات أو فيما يعني الاستيطان وما شاكل.
بالإجراءات والتدابير أيضاً لن نأتي ونقول أن تقطعوا العلاقات مع اميركا “يا ريت” لكن بالحد الأدنى الموضوع الإسرائيلي.
ترامب ماذا قال؟ قال هذه الخطوة هي في مصلحة إسرائيل، يجب أن تثبتوا له أنها ضد مصلحة إسرائيل التي تحرص عليها أنت.
قال إن هذا من مصلحة عملية السلام بين هلالين، يجب أن تثبتوا له أن هذا نقيض مصلحة عملية السلام ويجب أن نضغط ليتم التراجع عن هذا القرار.
ما هي الإجراءات والتدابير وتحصين وضغط وأيضاً استفادة من تحويل التهديد إلى فرصة؟ وقف كل الاتصالات مع العدو الاسرائيلي سواء من قبل فلسطينيين أو من قبل دول عربية أو دول إسلامية، السرية والعلانية، تحت الطاولة وفوق الطاولة. أما إذا استمرت هذه الاتصالات علناً أو سراً يعني ماذا نقول لترامب وماذا نقول لنتانياهو؟ نقول خذوا القدس وحبة مسك أيضاً.
قطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل وإغلاق السفارات وطرد السفراء، هذا أضعف الإيمان، هذه القدس، يعني هذا آخر الخط، هذا آخر شيء كان يمكن أن يتوقعه العالمان العربي والإسلامي.
وقف كل خطوات التطبيع التي بدأت في أكثر من بلد عربي وإسلامي وخليجي، بالتحديد بمواقع التواصل وبالزيارات وباللقاءات وبوسائل إعلام، هذا كله يجب أن يتوقف.
وأي شكل وأي خطوة من خطوات التطبيع اليوم هي أعظم خيانة للقدس بعد الذي حصل بالأمس.
إحياء جميع قنوات المقاطعة العربية والتشدد في تنفيذها في لبنان وفي غير لبنان، هذا التساهل فلان ذاهب الى فلسطين المحتلة، فلان يريد أن يقوم بتصوير فيلم، وفلان التقى مع صحافيين إسرائيليين، هذا كله يجب أن يعاد التشدد فيه على مستوى كل العالم العربي والإسلامي.
من جملة الاقتراحات المهمة جداً إعلان فلسطيني وعربي عن انتهاء المفاوضات لمن يؤمن بالمفاوضات حتى التراجع عن القرار، لأن ترامب ماذا يقول؟ يقول إن هذا يخدم عملية السلام يعني أنت ماذا فعلت؟ أنت فجرت عملية السلام، يجب أن يقال له أنت أنهيت، أعدمت، قتلت عملية السلام. نحن لا نؤمن بهذا الطريق أصلاً لكن أتكلم بالخيارات المتاحة للجميع، عندما يقال لترامب لا عودة لطاولة مفاوضات دون التراجع عن قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بالأصل كم هي المدة التي هي المفاوضات مجمدة فيها؟ تبقى مجمدة وتلغى أصلاً سنة واثنين وثلاثة واربعة وخمسة.
لأن ما يتطلع اليه ترامب أننا انتهينا من القدس، تعالوا يا شباب لنكمل المفاوضات ونقبل بحل الدولتين، إذا قبل بها الطرفان أيضاً.
يجب، وهذا أعتقد من المواقف المطلوبة والممكنة، هنا لا نتكلم عن قطع علاقات مع أميركا، هنا نتكلم عن موقف طبيعي جداً جداً جداً، وفي حال لم يؤخذ هذا الموقف يعني على القدس السلام، يعني أن يأتي الفلسطينيين والعرب ويقولون: انتهى، لا يوجد مفاوضات، انتهت المفاوضات، إذا أردت أن نعود الى المفاوضات يجب أن ترجع عن قرارك يا ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
أيضاً من الخطوات الممكنة والقوية برأيي طالما أنه يوجد اجتماع لوزراء الخارجية العرب يوم السبت، المطالبة بعقد قمة عربية، ويوجد قمة تعاون إسلامي دعت اليها تركيا باعتبارها هي رئيسة منظمة التعاون الإسلامي، الاقتراح على هاتين القمتين أو المؤسستين ما يلي: أن يصدر قرار واضح وملزم لجميع أعضاء الجامعة العربية وأعضاء منظمة التعاون الاسلامي يعتبر القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين وليست قابلة للتفاوض فضلاً عن التنازل، أي تفاوض سيحدث لاحقاً القدس ليست على جدول أعماله، هذا يجعله يعيد النظر ويرجع بقراره.
من جملة التداعيات المهمة جداً هو ما دعا إليه بالأمس أيضاً قادة كبار فلسطينيون، نحن نؤيد هذه الدعوة، الدعوة إلى انتفاضة فلسطينية جديدة، الذي يفترض أن الشعب الفلسطيني تعب وخلص لا يسأل لا عن قدس ولا عن ضفة غربية ولا دولة فلسطينية ولا مستقبل ويقبل بالفتات كما يتوقع ترامب. الانتفاضة الفلسطينية الجديدة وتصعيد عمل المقاومة ضمن ما يراه الفلسطينيون أنفسهم داخل فلسطين هو أكبر وأهم وأخطر رد على القرار الاميركي.
لكن هنا نحن لا نريد أن نلقي التبعات فقط على الفلسطينيين، وإنما أريد أن أضيف وأن يقدم العالم العربي والإسلامي كامل الدعم المعنوي والسياسي والمالي والمادي والتسليحي لشعب فلسطين في انتفاضته الجديدة اذا قرر هذا الشعب أن يقوم بهذه الانتفاضة. لن يترك الشعب الفلسطيني لوحده ليدافع عن القدس، ولن يقف العالم العربي والإسلامي كله.
اليوم في نفس الوقت الذي كان يعلن فيه ترامب عن هذا القرار، في نفس اليوم كان مجلس النواب الأميركي وبالإجماع يأخذ قراراً أو كان يوافق على مسودة قرار تقول بوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية لأنها تقدم تمويلاً لعائلات الشهداء ـ أنا من يقول الشهداء ـ أو لعائلات محكومين من قبل القضاء الإسرائيلي.
هذا يرتب مسؤوليات على كل الدول العربية والإسلامية، الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في انتفاضته، عدم التخلي عنه وعدم طعنه في الظهر، وعدم خيانته في الحد الأدنى، وعدم بيعه في سوق النخاسة السياسية، أكبر رد وأهم رد يمكن أن يكون هو انتفاضة فلسطينية جديدة، وقمة إسلامية تقرر أن القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين غير قابلة للتفاوض والتنازل.
التوحد حول خيار المقاومة وتقديم كل الدعم لهذا الخيار، هذا يجب أن يراه أيضاً الأميركي والإسرائيلي.
أنا أعتقد أن هذه بعض الاقتراحات، وأنا أعتقد أن القيام بخطوات من هذا النوع بالتأكيد سوف تجعل ترامب يندم، وبالتأكيد ستجعل إدارته تندم، وتعيد النظر في نهاية المطاف أو تجمد مفاعيل وتداعيات الديبلوماسية والسياسية وغيرها لهذا القرار، وإن كان المطلوب ليس تجميد المفاعيل وإنما إلغاء القرار، وصد هذا العدوان وإحباط هذا العدوان وإفشال أهداف هذا العدوان.
طبعاً في هذه المناسبة التي تشعر فيها الأمة كلها بهذا العدوان السافر والظلم الكبير، ايضاً يجب أن لا يفوتنا أن نوجه دعوةً حريصة جداً إلى جميع الحكومات وإلى جميع الدول وإلى جميع القوى وإلى جميع الأطراف في العالمين العربي والإسلامي، إلى وقف الحروب ووقف التقاتل ووقف الصراعات الداخلية، وقف الحرب على اليمن ووقف القتال في سوريا وفي ليبيا، الآن في العراق قد انتهى، في كل الأماكن والبحث عن حلول سياسية وعن معالجات سياسية.
الصراعات التي عُمل على تشديدها في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في السنوات الماضية، على أكثر من محور وعلى أكثر من صعيد وبين أكثر من دولة عربية وإسلامية، البحث عن مخارج والبحث عن حلول والبحث عن التلاقي، لأن مقدساتكم، لأن قدسكم، لأن قضيتكم المركزية هي في خطر شديد أمام هذا الإجراء، الذي لا نعرف ما هي الإجراءات التي ستتبعه أيضاً.
في لبنان، أيها الإخوة في نهاية الكلام، نحن جميعاً لأن هذه الحمد لله هذه نقطة إجماع في لبنان، ولا أعتقد أنه يوجد أحد يخالف، وكونها نقطة إجماع وطني. يعني بالأمس وبشكل مبكر سواء فخامة رئيس الجمهورية أخذ موقفاً واضحاً وكبيراً وقوياً، دولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس الحكومة، مجلس النواب كما عرفنا أيضاً سوف يجتمع غداً في جلسة استثنائية لهذا الموضوع، والمواقف السياسية لمختلف القوى السياسية في لبنان.
إذاً هذه نقطة إجماع وليست نقطة خلاف، ولا نقطة للنأي بالنفس، ولا تدخّل في الشؤون الداخلية، هذا شأن يعني كل لبنان وكل عربي وكل مسلم وكل مسيحي وكل شريف وكل حر لأن هذه قضية عدالة وقضية إنسانية وقضية مقدسات وقضية حضارية، فجميعنا معنيون أولاً بالمواكبة لهذا الحدث التاريخي وتطوراته، حتى كل واحد يتحمل مسؤوليته، ومعنيون كلٌ من موقعه بالشكل الذي يراه مناسباً للقيام بالفعاليات التي تُعبر عن احتجاجه وعن تضامنه، سواء كانت اعتصامات، الآن هنا طلاب الجامعات والمدراس والنقابات والمهن والجمعيات والأحزاب والقوى السياسية والعلماء والندوات واللقاءات والمؤتمرات، يعني لا يجوز أن يقتصر الأمر على بيان أو على خطوة شعبية معينة وكفانا المولى، كلا، نحن أمام مواجهة حقيقية وأمام حدث تاريخي خطير جداً وأمام عدوان أميركي كبير جداً، يجب أن نتصرف بهذا المستوى ومن جملتها طبعاً التظاهر في أكثر من مدينة وفي أكثر من مكان وفي أكثر من يوم وفي أكثر من مناسبة، وفي هذا السياق، أنا أدعو الجميع، نحن الآن من طرفنا ندعو إلى تظاهرة شعبية كبرى للاحتجاج وللتنديد بهذا العدوان الأميركي والقرار الأميركي العدواني والظالم، وأيضاً للتعبير عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني ومع المقدسات الإسلامية والمسيحية ومع مدينتنا المقدسة وقضيتنا المقدسة يوم الإثنين، كان باستطاعتنا أن نعملها غداً، لكن نحن حريصون على أكبر حضور، لأن اليوم الأميركي والإسرائيلي أيضاً يريدون أن ينظروا إلى الفعل وإلى حجم الفعل وإلى حجم الحضور.
يقولون لك الآن سوف ينزلون عشرة أو مئتين أو ألف على الشارع، ما هي القصة؟ أنت تتكلم عن مئات ملايين، أين التعبير عن الموقف؟ الآن نحن بالذي علينا، يوم الإثنين بعد الظهر إن شاء الله في المكان وفي الساعة التي تُحدد من خلال الدعوة، الآن 3 أو 3 ونص هم الإخوان يحددون الدعوة، انا أدعو الجميع هنا سوف تكون مظاهرة في الضاحية الجنوبية، كتظاهرة أولى وسوف نرى لاحقاً في أماكن أخرى ماذا سوف ندرس نحن وبقية الأصدقاء والحلفاء والمعنيين، في الضاحية الجنوبية في يوم الإثنين بعد الظهر إن شاء الله أدعو الجميع، الرجال والنساء والصغار والكبار، وأهلنا في الضاحية وفي بيروت وفي المحيط ولكل من يرغب أن يأتي من أي مكان في لبنان، وأيضاً أهلنا في المخيمات الفلسطينية إخواننا وأهلنا وحبايبنا، أدعو الجميع إلى الحضور في هذه التظاهرة تحت عنوان الدفاع عن القدس والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية والتضامن مع الشعب الفلسطيني، مع الانتفاضة الفلسطينية ومع المقاومة الفلسطينية، وللتعبير عن الرفض والشجب والاستنكار والتنديد لهذه الجرأة ولهذا الاستكبار والاستهتار والعلو والعنجهية الأميركية التي عبر عنها بالأمس ترامب في قراره العدواني باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، هذا طبعاً أضعف الإيمان وبداية خطوات يجب أن تتراكم ويجب أن تتواصل في هذه المواجهة.
هنا اود أن أختم بتوجيه التحية إلى الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو في مخيمات الخارج في الشتات، ولكن بالخصوص إلى أولئك الذين نزلوا في الأمس ونزلوا اليوم، سوف نراهم في الميادين وفي الساحات، رجال ونساء وشباب وصبايا، صغار وكبار، وهم يعلمون ويجب أن ينتبه كل العالم العربي والإسلامي أن الشعب الفلسطيني اليوم داخل فلسطين هو خط الدفاع الأول، هو الذي يواجه بصدره في الدرجة الأولى الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والمخاطر والاعتقال والتعذيب والضرب والإهانة والشدائد والصعوبات، يجب أن نقف جميعاً إلى جانب هذا الشعب ، يجب أن نكبر جهاده ونكبر تضحياته، ليس مثل ما كان يحاول البعض في الأسابيع الماضية تجاه الفلسطينيين، أن نحيي انتفاضته ووقفته وشجاعته وأن نراهن عليه وأن ندعمه وأن نقف إلى جانبه إلى الآخر.
اسمحوا لي في الختام، أن أقول على طريقتنا أيضاً وعلى فهمنا وعلى ثقافتنا القرآنية “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم”.
نحن أمة ونحن شعوب لدينا القدرة على تحويل التهديد إلى فرصة، وعلى تحويل الخطر إلى إنجاز، وعلى ما يبدو في الظاهر هزيمة وانتصار للعدو أن نقلب المشهد ليصبح انتصاراً لأمتنا وهزيمة لأعدائها، لكن هذا يحتاج إلى إرادة ويحتاج إلى عمل ويحتاج إلى حضور، وكل ما قام به العدو منذ البدايات إلى الآن كانت مجرد أعمال حمقاء تنقلب عليه وتؤدي إلى عكس أهدافه، لكن كله كان بفعل الثبات والصمود والتضحيات والصبر والتحمل والوفاء وأداء الأمانة وعدم الخيانة وعدم الطعن في الظهر.
اليوم ما قام به ترامب هو تهديد كبير يستطيع الفلسطينيون وشعوب أمتنا العربية والإسلامية وكل شرفاء العالم أن يحولوه من أكبر تهديد إلى أعظم فرصة يمكن أن تحقق لشعوبنا ولمقدساتنا ولأمتنا مصالحها الكبرى.
المصدر: العلاقات الاعلامية في حزب الله