عندما يصبحُ اليمن المعادلة الإقليمية الكبرى – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

عندما يصبحُ اليمن المعادلة الإقليمية الكبرى

اليمن

ماجد الوشلي – باحث يمني

التغيرات السياسية والإستراتيجية للمواقف الإقليمية والدولية عكست الكثير من التصورات والأنماط المختلفة فيما يتعلق بالخارطة الجديدة _ استراتيجية غرب آسيا _  لاسيما في العالم العربي، والذي أصبح له فترة طويلة يعيش حالة من التخبط وعدم الاستقرار على المستوى السياسي والاجتماعي منذ ما يسمى بالربيع العربي، والذي هو نتاج لهذه التغيرات السياسية والاجتماعية للحكومات والأنظمة ..

ومن هذه التغيرات التي خلطت الكثير من الأوراق وأدخلت الأنظمة في مأزق سياسي  وعسكري خطير يهدد كيانها ووجودها هي التغيرات في شبه الجزيرة العربية، وبالخصوص الشأن اليمني والتغيرات السياسية والاجتماعية التي بدأت منذ العام 2011م في بداية ثورة 11 فبراير متأثرا بالتحركات الشعبية التي حدثت في الكثير من دول العالم العربي وصولا إلى ثورة 21 من سبتمبر والتي غيرت المعادلات في اليمن والدخول في قالب جديد ..

الحديث عن المعادلة اليمنية هو الحديث عن تاريخ وجغرافية اليمن بجميع هذه الحيثيات والمتغيرات؛ لأننا لا نستطيع أن نفصل بين الأحداث التاريخية التي حصلت في اليمن وبين هذا الواقع الذي يعكس تصورا كبيرا من هذه المتغيرات التاريخية والجغرافية لاسيما مع الدول الشقيقة وأبرزها المملكة العربية السعودية التي خاضت الكثير من التجارب والحروب خلال فترة  حكم الأنظمة  اليمنية السابقة ، وكان نهايتها أحداث الصراع السياسي والعسكري منذ العام 1962م إلى 1970م حيث كانت جزء من هذا الصراع وهذه الأزمة التي كان ضحيتها  الكثير من أبناء الشعب اليمني خلال دعم بعض الأنظمة الإقليمية لجهة وطرف معين يخدم مصالحها وغاياتها في اليمن فكانت هذه الدول الإقليمية تدعم بشكل جنوني حتى تحقق نتائج سياسية وإستراتيجية في اليمن ويكون لها جزء سيادي وسياسي تستطيع من خلاله أن تبسط قوتها وسيطرتها على السيادة اليمنية ..

المعادلة الكبرى اليوم في المنطقة هي اليمن والتي ستكون الفاصلة في تحديد استراتيجية غرب أسيا وتكوين رؤية سياسية جديدة تكون اليمن هي اللاعب الأساسي فيها وفق سيادتها ورؤيتها المستقلة ومن هنا ستكون المفاجآت الاقليمية والدولية ..

الواقع اليوم في العالم العربي جعلنا نعيش حالة من الصراع والتخبط والعشوائية وعدم المبالاة بما يحدث في الدول أو المجتمعات نتيجة للأزمات التي تحدث مرارا وتكرار في كل مجتمع، وهذا ما يجعلنا نهتم أكثر في بيان وتوضيح ما يحصل في المتجمعات المضطهدة والمظلومة لا سيما في اليمن،  والتي لا تجد من يتحدث عنها وينقل صورتها للعالم وبالخصوص المجتمع الدولي حتى يحدد مصير هذه الأزمات ويجدوا الحلول الكافية ليعالجوا هذه الأزمات بكل اهتمام وجدية ..

اليوم أصبح للحرب المفروضة على اليمن مايقرب ثلاثة أعوام من الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية ولازال النظام السعودي مستمرا في حربه  وغطرسته رغم وضوح الرؤية بأن لا أفق جديد للحرب أو حسم نتائجها  وأن اليمن عصيةٌ منذُ وجودها عن الاستسلام أو الخصوع لأي جهة كانت وهنا نطرح السؤال هل ستستمر الحرب على اليمن وإلى متى ؟

ولنتحدث عن وجودية وخلفية دخول الممللكة العربية السعودي في هذه الحرب يقول المحلل السياسي الأمريكي والباحث فيل بتلر عن أسباب ونوايا السعودية من شن الحرب على اليمن حيث قال  لماذا تستمر المملكة العربية السعودية بقصف اليمن حيث يعود إلى العصر الحجري؟ وجوهر المسألة هو أن اليمن لديه احتياطيات نفطية عالية جداً، في حين احتياط الرياض ينفد ، ويوضح المحلل السياسي الأمريكي فيل بتلر تلك المسالة وخطورتها في الشأن الإقليمي.

ووفقا للمحلل السياسي الأمريكي والباحث فيل بتلر، حرب المملكة العربية السعودية التي تدعمها الولايات المتحدة ضد اليمن ليست حول الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، ولا حول الحملة العسكرية ضد تنظيم القاعدة في المنطقة أو ضد توسع الحوثيين- أنصار الله – ، بل هناك أسباب أخرى..

بينما وسائل الإعلام الغربية عادة ما تشير إلى اليمن بأنها “صغيرة” في إنتاج الطاقة، لكن حقيقة الأمر هو أن البلد يجلس على احتياطيات نفطية وغازية كبيرة جداً، والتي تريد المملكة العربية السعودية وحلفاؤها السيطرة عليها..

وبالإضافة إلى ذلك، تقع اليمن في باب المندب، مركزا رئيسيا لعبور البحري للنفط، مع 3.4 مليون برميل من النفط يمر عبره كل يوم في إحدى التقارير التحليلية السابقة لمنظمة “شرق اوتلوك جديد”، دعا فيل بتلر الانتباه إلى أن الثروة النفطية في السعودية بدأت بالتراجع.

يقول المحلل الأمريكي فلتر: “نظرا لطبيعة احتياطيات النفط لدى المملكة العربية السعودية، وإنتاج غير محدود على مدى عقود، فمن  الممكن ببساطة نفاد الغاز في هذا السياق، فإنه ليس من المستغرب أن الرياض قد اعتمد مؤخرا نهج السياسة الخارجية وحتى العدوانية تجاه جيرانها..

بتلر يضيف: “نفاد آخر الموارد القابلة للبيع في البلاد، الملوك السعوديين قد وضعوا بلادهم في وسط فوضى ينبغي أن يكتشف الناس أنهم في مأزق حقيقي، وهذا هو السبب في أننا نرى الموقف السعودي العدواني، في سورية، مع إيران، وخصوصا عندما يتعلق الأمر باليمن.

إذا الرياض لم تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية، فلماذا التسرع في تثبيت منصات جديدة، وخاصة تلك التي في الخارج، والتي هي 7 مرات أكثر تكلفة لتشغيل، بتلر يسأل، ويعتقد المحلل أن المملكة العربية السعودية الراقدة منذ عقود حول قدرته النفطية الفعلية وعن السفير ستيفن سيش لعام 2008 في تقرر سري ، التي نشرتها ويكيليكس، التي تنص على “أن كل من محافظات شبوة ومأرب والجوف لديها احتياطيات الغاز الكبيرة”.

أما بالنسبة للنفط، وفقا لمسح جيولوجي مفصل لشركة (USGS)، اليمن تمتلك خزانات نفطية وأشارت صحيفة “فايننشال تايمز” إلى أن مصالح المملكة متعلقة باستقرار أسعار النفط خلال السنوات الخمس المقبلة فمحاولات ملك سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى لشركة “أرامكو”، لتأكيد سلطتهم في المنطقة وسوق النفط، تبوء بالفشل..

وذكرت الصحيفة أن “الرئيس الأمريكي تجاهل عن قصد قلق السعودية بشأن التوصل لاتفاق مع إيران، التي تغير ميزان القوى الإقليمي بالفعل”، مضيفة “القلق السعودي بشأن “النفوذ الإيراني” قاد المملكة للتدخل عسكريا في اليمن، إلا أن الحملة الجوية الضعيفة لم تحقق سوى القليل، وأظهرت محدودية الجيش السعودي، وكانت من بين نتائجها وقوع كارثة إنسانية في اليمن، مع استمرار قوات الجيش واللجان الشعبية في السيطرة على أغلب أنحاء شمال اليمن”.

واعتبرت الصحيفة أن الأسوأ بالنسبة للمملكة هو عدم تقليص شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكي لإنتاجها، بسبب انخفاض أسعار النفط، بل على العكس من ذلك، فتكاليف الإنتاج انخفضت، وفي أماكن أخرى قام بعض منتجي النفط بزيادة إنتاجهم من أجل زيادة العائد، مضيفا أن سعر البرميل وصل إلى ٥٠ دولارا وأقل من ذلك”.

وأضافت إلى أن الخطر بشأن مزيد من الصراع واضح، فالهجوم الذي استهدف مسجدا بالقرب من الحدود مع اليمن يظهر أن العدو داخل المملكة، وتابعت أن التهديد بإمكانية امتداد الصراع جنوبا إلى المملكة قادما من “داعش” في العراق، أو يمتد شمالًا قادما من اليمن أمر وارد، لذلك فإن هناك احتمالية أن يقود انخفاض أسعار النفط إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وما أبعد من ذلك.

وتحدثت الـ”فايننشال تايمز” عن أنه من الصعب رؤية كيفية تأثير تلك الأحداث على مصالح من هم بالسلطة في الرياض، لكن حكام السعودية في حاجة إلى فترة من الهدوء لضمان بقائهم في السلطة .

وأشارت إلى أن السعودية بحاجة إلى إصلاحات داخلية، كإلغاء الدعم الهائل على الوقود الذي يكلف المملكة سنويا ٨٠ مليار دولار على حساب صادراتها النفطية .

وذكرت أن هناك حاجة ضرورية لزيادة أسعار النفط واستقرارها، لافتة إلى أن الملك السعودي بلغ من العمر ٧٩ عاما، ووزير البترول علي النعيمي يبلغ من العمر ٨٠ عاما، وربما يعتقد الاثنان أن سوق النفط العالمي مازال يدار كما كان عليه الحال في ثمانينيات القرن الماضي، لكن هذا غير حقيقي، مضيفة أن النظام في الرياض عليه أن يقبل بأن مصلحة المملكة في استقرار أسعار النفط ربما عند ٧٠ إلى ٨٠ دولارا للبرميل، خلال السنوات الخمس القادمة، وهذا يتطلب تقليصا حادا في الإنتاج ربما يصل إلى مليوني برميل يوميًا .

وثيقة في ويكليكس تؤكد أن السعودية ترغب في إنشاء خط أنابيب نفطي في حضرموت تملكه وتشغله وتحميه ومطالبات بتحرير حضرموت من احتلال سابقاً والشمال..

وكشفت وثيقة نشرت في موقع “ويكليكس” عن مطامع سعودية تجاه حضرموت التي تنعم بالنفط، وتشير الوثيقة رقم ( 08sanaa1053 ) المؤرخة في (18 حزيران 2008) الصادرة عن السفارة الأميركية بصنعاء إلى أن أحد الدبلوماسيين البريطانيين في اليمن أبلغ دبلوماسياً سياسياً أميركياً أن السعودية ترغب في إنشاء خط أنابيب نفطي، تملكه وتشغله وتحميه، على أن يمتد من حضرموت إلى مرفأ في خليج عدن، مروراً بالخليج العربي ومضيق هرمز .

وتسعى المملكة إلى بسط نفوذها على حضرموت وصولا إلى البحر العربي البعيد عن المضائق “هرمز، باب المندب” بالإضافة إلى جزيرة سقطرى الواقعة على المحيط الهندي بحسب ما نشر في عدن الغد عن الوثيقة..

ومن هنا نلاحظ أن حقيقة الحرب على اليمن هي من أجل تحقيق مصالح المملكة العربية السعودية وبسط سيطرتها على اليمن وخيراته وأن تكون هي الأقوى في شبه الجزيرة العربية وليس هناك أي أهداف أخرى لها سوا مطامع اقتصادية وسياسية وتعتيم العالم عما يوجد في أرض اليمن ..

نعم  إنها المعادلة الإقليمية الكبرى والتي ستكون اليمن عمود هذه المعادلة في تخطيط الاستراتيجية للمنطقة وتكوين خارطة سياسية اقليمية جديدة .

المصدر: موقع المنار

البث المباشر