خليل موسى – موقع المنار- دمشق
في خضم بقعة جغرافية مظلومة من العالم، ثمة مطبخ لانتهاكات بحق الإنسانية، على مصيرها تتوه قرارات سياسية، مما يكلف المزيد من دماء الأبرياء والكثير من دعم من يسفكها.
ما تتعرض له مدينة حلب، هجمة غير مسبوقة خلال الحرب على سورية، وهي هجمة ممنهجة ومدروسة، حسب معطيات الميدان وطريقة الاستهداف الهمجي التي توحي بطبخة سياسية لا مفر من مواجهتها للحد من خسارة مزيد من المدنيين الأبرياء.. كان لا بد من الوقوف على خشبة السياسة الدولية والإقليمية وإلقاء نظرة ولو شاملة للتوصل إلى ما قد يفك شيفرة ما يجري في حلب.
جنيف هو الأساس، لهذا لا بد من إعطاء اللاعبين الدوليين حيزاً في البحث السياسي، وعليه استقبل موقع قناة المنار الكاتب والباحث في الشؤون السياسية الدكتور أسامة دنورة للحديث عن أهم ما يجري على طاولات المتنافسين على صنع قرار يحسم أمر المفاوضات السورية.
ينطلق دنورة في تحليله من أن حلب اليوم تبدو في ميزان الشرق الاوسط، بمثابة بيضة القبان، ضمن معادلات الصراع على سورية، بكل الأبعاد اقليمية ودولية. حيث يرى الكاتب السياسي أنها بما تتمتع به من ثقل ديمغرافي واقتصادي ورمزية حضارية وسياسية، وكونها المدينة الثانية في سورية، فإنها تحوز على أهمية تفوق أي مدينة أخرى قيد الصراع.
تحرير حلب، وماذا ينتج عنه…
وهنا نحن أمام محاولات الغرب انطلاقا من أنقرة، الحليف الأول في هذا الصراع لواشنطن، وحسبما تحدث به الدكتور دنورة فإن تحرير حلب من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه على الارض له بعدان اساسيان يقضان مضجع معسكر صناع الصراع، فهو من جهة يعني فقدان الطرف التركي لورقته الاساس في المعادلة السورية، ويراه دنورة “اعلان وفاة المشروع الأردوغاني – العثماني – الإخواني”، ومن جهة ثانية، يعني بالنسبة للأطراف الأخرى المتورطة في العدوان على سورية، رجحان كفة الحكومة السورية وحلفائها الإقليميين والدوليين، بصورة ربما تكون حاسمة، وهذا ما يجعل الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها الغرب والولايات المتحدة تنظر الى حلب بوصفها مرجحاً لكفة الصراع على سورية ويدفعها بالتالي الى محاولة حصد اكبر قدر من المكاسب قبل ان تسلم بفقدان هذه الورقة من يدها.
داعش وتركيا والولايات المتحدة…
يتابع دنورة.. “التركي من جانبه أوعز لداعش بإطلاق النار على الداخل التركي عبر شمال حلب، رغم ان التنظيم في غنى عن اعداء جدد، ومرر الاتراك عبر ذلك تحذيراً مضمراً للعالم برمته بأنهم يمتلكون مساحة لخلق حجة تسمح لهم بدخول شمال حلب بحجة حماية اراضيهم من القصف الداعشي في حال تحركت معركة تحرير حلب، وهم بذلك اظهروا انهم تجاوزوا عقدة المنع الامريكي لصدامهم مع الاكراد”..
اما ما يتعلق بأميركا فللمحلل السياسي خلال حديثه لموقع المنار، تحليل يحمل رؤية تختلف عن كثير من المحللين السياسيين، حيث أن الولايات المتحدة من جانبها ترغب في الاستمرار بتأجيل حسم الملفات السورية، انتظاراً لقبض اكبر ثمن ممكن من الطرف المقابل، متمثلاً في روسيا وسورية وايران، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في رؤية التركي يحقق الأرباح لمشروعه الخاص، رغبةً في احتكار المكاسب من جهة، ولعدم رغبتها في تعزيز المشروع الاردوغاني من جهة اخرى، وهو ما يجعل المواقف الأمريكية تبدو وكأنها تقول الشيء وعكسه في آن معاً.
السعودية تتخبط …
ربط الكاتب والباحث في الشؤون السياسية الدكتور دنورة الموقف السعودي من طرفين بين ما يجري في اليمن ومستنقعه وما يجري في سورية . حيث يرى أنه يبدو اليوم متحركاً وفق اعتبارات مختلفة جزئياً عن السابق، فالسعودية لها مصلحة في الخروج من المستنقع اليمني، وهذا – برأيه – يتطلب تفاهم الحد الادنى مع روسيا وايران .
وفي حال صحت هذه الاستنتاجات وتم تفكيك العقدة السعودية ولو جزئياً فقد ينعكس ذلك على تركيبة وفد الرياض وربما على مواقفه السياسية في مرحلة لاحقة، في حين سيجد اتباع المشروع التركي انفسهم اكثر عزلة ميدانياً وسياسياً على حد السواء.
وإلى أن يحدث أي تغير في المواقف السياسية سيبقى شلال الدم السوري ينزف قهراً على مذبح السياسة، لكن ثمة تحركات للجيش السوري باتجاه حلب توحي بأن الدولة السورية لن تنتظر المتصارعين على بلادها يستمرون في سفك دم مواطنيها، وهذا يعني أن منعكسات ميدانية قد تقلب الطاولة السياسية وتحرق كل الأوراق قاطعة الطريق على ما يحاول الغرب تدبيره في شمال سورية.
المصدر: موقع المنار