الشيخ دعموش: الزهراء(ع) ورعاية الحقوق العائلية – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الشيخ دعموش: الزهراء(ع) ورعاية الحقوق العائلية

أخبار موقع المنار

نبارك لكم ولجميع المسلمين ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام التي تصادف في العشرين من شهر جمادى الثاني، وفي هذه المناسبة العظيمة ينبغي لنا أن نتطلع إلى تلك الحياة العائلية المستقرة والهادئة والهانئة والسعيدة التي عاشها بيت فاطمة وعاشتها أُسرة فاطمة، هذه الأُسرة التي تربت على القيم والأخلاق وعلى المحبة والمودة والإحترام ورعاية الحقوق والالتزام بها.

الإنسان ضمن عائلته سواء كان زوجاً أو زوجة أو ولداً أو والداً له حقوق وعليه وواجبات وآداب متبادلة، ولا يمكن للإنسان أن ينال رضا الله أو أن تهنأ حياته العائلية إلا برعايتها والالتزام بها.

فهناك حقوق للزوجة على زوجها، وهناك حقوق للزوج على زوجته ،وهناك حقوق للأولاد على أبويهم.

أما الحقوق الأساسية للزوجة على زوجها فيمكن اختصارها في ثلاثة أمور أساسية:

الأول: حق النفقة، وهي الأطعام والسكن واللباس وما تحتاج إليه الزوجة من طبابة وزينة حسب أوضاع الزوج المادية.

وهنا لا ينبغي للزوجة أن ترهق زوجها بالأعباء الزائدة والطلبات الزائدة وترهق ميزانيته بل عليها أن تراعي أوضاعه المادية والمالية، خصوصاً في الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشعا عامة الناس هذه الأيام.

الأمر الثاني: المبيت عندها وعدم هجرانها، فلا يجوز للزوج أن يهجر زوجته من دون سبب شرعي.

والأمر الثالث: إكرامها والرفق بها وحسن معاملتها ورحمتها والعفو عنها, فإن من حق الزوجة أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق، فإذا تعامل معها بأخلاق حسنة فإن ذلك يعمق المودة والرحمة والحب بينهما وداخل الأسرة.

يقول تعالى: [وعاشروهن بالمعروف]. النساء ـ 19.

مع الأسف بعض الأزواج بدل أن يتعاطى مع زوجته بتسامح وأخلاق حسنة، يتعاطى بقسوة وشدة، مع أن الإسلام نهى عن استخدام القسوة مع المرأة, وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها.

بعض الأزواج يصابون بالإزدواجية في الشخصية, فترى البعض عندما يكون مع الناس تكون شخصيته أخلاقية لطيفة طيبة هادئة, بينما عندما يكون داخل المنزل مع زوجته يصبح شخصية مغايرة ومختلفة، في الوقت الذي يجب أن يكون الإنسان مع أهله أفضل منه مع الناس, فالإمام علي (ع) في وصية لابنه الحسن يقول: لا يكن أهلك أشقى الخلق بك.

كما أن على الزوج أن يتسامح ويعفو عن زوجته إذا أساءت أو أخطأت، ولا يقيم الدنيا ولا يقعدها لأدنى هفوة أو خطأ أو كلمة خارج الحدود.

فعن الامام الباقر (ع): من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة, أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنة.

بل حتى لو كانت الزوجة سيئة الخلق فان على الزوج أن يصبر عليها وينصحها ويوجهها ويرشدها ويعلمها ولا يلجأ الى العنف والضرب والاسلوب القاسي.

فقد حث رسول الله (ص) الزوج على الصبر على سوء أخلاق زوجته فقال: من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه, أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب (ع) على بلائه.

أما حقوق الزوج على الزوجة فهي: أولاً :حق الطاعة، فالرجل هو رب البيت والأسرة ومن هذا الموقع فهو يتصرف بما تمليه عليه مصلحة العائلة, فقد يأمر هنا وينهي هناك.. ويتخذ قرارا هنا ويمتنع هناك، ومن حقه الأخلاقي على زوجته وأفراد أسرته الطاعة والانقياد طالما أنه لا يأمر بما فيه معصية لله.

كما أن على الزوجة أن ترضي زوجها, وأن لا تغضبه, ولا تقوم بما يثيره أو يؤذيه.

فعن رسول الله (ص): ويل لامرأة أغضبت زوجها, وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها.

وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها .

فإذا كان الزوج لا يرضى أن تقوم زوجته بهذا العمل أو ذاك، أو لا يرضى أن يدخل بيته من يكره فلا ينبغي للمرأة أن تخالفه في ذلك.

كما أنه لا ينبغي أن تسيء خلقها معه أو تسمعه كلمات نابية وبذيئة أو غير لائقة.

قال رسول الله (ص): أيما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله عنها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه.

ولما ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين وقال : اللهم إني راض عن ابنة نبيك .

والطاعة الواجبة على الزوجة يمكن حصرها في أمرين أساسيين:

1 ـ اطاعته عندما يدعوها لنفسه، فليس لها أن تمتنع حتى لو كان ظالماً لها، فقد ورد في الحديث عن الصادق (ع): أتت امرأة إلى رسول الله (ص) فقالت: ما حق الرجل الزوج على المرأة؟ فقال (ص): أن تجيبه إلى حاجته، ولا تعطي شيئاً إلا بإذنه, فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر، ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط, قالت: يا رسول الله وإن كان ظالماً قال: نعم.

اذن: حتى لو كان الزوج ظالماً فإن على المرأة أن تجيبه إلى حاجته وذلك:

أولاً: لأن امتناعها سيؤدي عملياً إلى ازدياد ظلمه, بينما بقاءها على سلوكها العادي قد يوفر إمكانية الإصلاح فيما بينهما.

وثانياً: ارتكاب الزوج لعمل محرم وهو ظلم زوجته, لا يجيز للمرأة أن ترتكب حراماً بالمقابل.

قد تسألبعض النساء كيف أسلمه نفسي وهو ظالم لي أو يضربني ويسيء خلقه معي؟

والجواب: هذا صحيح, لكن في بعض الأحيان يمكن للإنسان أن يتجرع الدواء المر إذا كان سبباً للشفاء، فقد يكون قيامها بهذا الأمر سبباً لعودة الحياة إلى طبيعتها وإصلاح الرجل وردعه عن ظلمه.

ومن جهة أخرى, فإن هذا هو تكليفها الشرعي الذي ينبغي أن تقوم به, وهو وإن كان صعباً وشاقاً عليها إلا أنها ستؤجر عليه.

2 ـ اطاعته عندما يدعوها لعدم الخروج من المنزل فليس لها أن تخرج بدون إذنه.

فعن الصادق (ع): جاءت امرأة إلى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال: أكثر من ذلك، قالت فخبرني عن شيء منه؟ قال: ليس لها أن تصوم إلا بإذنه تطوعاً، ولا تخرج من بيته بغير إذنه, وعليها أن تتطيب بأطيب طيبها, وتلبس أحسن ثيابها, وتتزين بأحسن زينتها, وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية, وأكثر من ذلك حقوقه عليها.

عندما تراعي الزوجة حقوق زوجها وتقوم بواجباتها تجاه زوجها وكذلك عندما يراعي الزوج حقوق زوجته فإنهما سجعلان من الحياة الزوجية حياة مستقرة وهادئة.

لقد كانت حياة علي والزهراء مصداقاً واضحاً وبارزاً لتلك التعاليم والارشادات التي تجعل من الحياة العائلية حياة مستقرة تراعى فيها الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.

وها هو أمير المؤمنين يوضح احترامه ومراعاته لحقوق زوجه الزهراء في الكلمات التالية: «فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنى الهموم والأحزان .

فلا هو تجاوز حقوقها ولا هي (عليها السلام) قصرت في واجباتها اتجاهه.

ومن جهتها هي أيضاً أكدت على ذلك في وصيتها المعروفة له قبل وفاتها حيث قالت: يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة ولا خالفتك منذ عاشرتني»، فيجيبها عليّ مباشرة: «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبّر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله من أن أوبّخك بمخالفتي.

أما حق الاولاد على أبويهم: فهو الإنفاق عليهم وتعليمهم وهدايتهم فضلا عن محبتهم ومودتهم وتقبيلهم وملاحقتهم بالتربية السليمة وإصلاح أخطائهم وانحرافاتهم اذا انحرفوا بالكلمة الطيبة وبالإسلوب الحسن وليس بالضرب والعنف والإكراه والصراخ، بل بالإفهام، وكذلك بالقدوة الحسنة, بأن يكون الأب والأم قدوة في البيت، فيتأثر الولد بسلوك أهله وعاداتهم، وكذلك بأخذ الأولاد إلى المساجد وتعليهم الصلاة وتعويدهم على الصيام منذ صغرهم، وتعليمهم القرآن واصطحابهم إلى مجالس العزاء؛ واختيار الأصدقاء المناسبين لهم, فإن لهذا كله تأثيراً كبيراً في تنشئة الأولاد ومستقبلهم.

ثم لا بد من العناية بالأولاد صحياً وجسدياً، فضلاً عن إطعامهم وإكسائهم وهدايتهم والحفاظ على تدينهم والتزامهم الديني، فيوم القيامة سنُسأل عن هذه الأمور كلها سنُسأل عن صلاة اولادنا وعن صيامهم وعن أخلاقهم وسلوكهم، والأباء والأمهات مسؤولون أمام الله عن كل ما يتعلق بدين أبنائهم.

ولابد من معاملة الاولاد بالعدل وعدم التمييز بينهم: بأن نعدل بين أولادنا في المحبة والعطف, وفي المعاملة, فلا ينبغي التمييز بين الأولاد في المعاملة, وخاصة بين الذكور والإناث, لان التمييز سبب لحدوث المشاكل النفسية لدى الأطفال, وسبب للغيرة والحسد والأحقاد بين الأخوة, وسبب للإحساس بالمظلومية وعدم الإنصاف.

ففي الحديث عن الرسول (ص): من وُلدت له ابنةٌ فلم يؤذها ولم يُهنها ولم يُؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنة.

وعن الرسول (ص): “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.

اعدلوا ولا تميزوا بينهم حتى في الهدايا وفي التقبيل، فعن النبي (ص): ساوُوا بين أولادكم في العطية، فلو كنتُ مفضلاً أحداً لفضّلت النساء.

وعنه(ص): إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل. فالقبلة وإن كانت تصرفاً صغيراً إلا أنها تحمل مداليل عاطفية كبيرة.

هكذا يجب أن نتصرّف إذا أردنا أن يكون لنا أولاد صالحون ليكونوا عوناً لنا في الدنيا وذخراً في الآخرة.

وهناك أولاد هم ذُخر لأهلهم في الآخرة حتى قبل موت الأبوين، وهم الشهداء, فمن المعروف عندنا أن الشهداء يُرزقون حق الشفاعة، فعندما يُوتى بالشهيد إلى باب الجنة يقف ويقول: لا أدخلها إلا وأبواي معي. فالشهداء في ثقافتنا هم ذُخر لآبائهم يوم القيامة، وعزٌّ وكرامة لهم في الدنيا.

هذه هي الحقوق العائلية التي ينبغي الإلتزام بها من قبل أفراد الأسرة.

الغريب أن البعض من الناس يرى نفسه ملزماً بحقوق الآخرين من خارج عائلته، ولكنه يتساهل في حقوق عائلته القريبين منه، فلا يحترم حقوقهم ويجيز لنفسه الاعتداء عليها، مع أن الاسلام شدد على التزام الحقوق العائلية، كما شدد على التزام حقوق عامة الناس .

من حق الناس في لبنان أن يعيشوا في وطنهم أعزاء كرماء ومن حق اللبنانين على دولتهم أن تراعي أوضاعهم وتخفف من معاناتهم وأن لا تثقل عليهم بالرسوم والضرائب.

نحن في حزب الله كنا نرفض على الدوام فرض ضرائب جديدة على المواطنين الفقراء، وفي كل مرة كان يطرح فيها موضوع الضرائب كنا من السباقين في الرفض، وأول أمس عندما وافقت معظم القوى السياسية في المجلس النيابي على زيادة الضريبة 1% كنا أول المعترضين والرافضين لهذه الزيادة، وقد عبر نواب كتلة الوفاء للمقاومة عن هذا الموقف داخل المجلس النيابي وخارجه بكل وضوح، لأننا مقتنعون بأن أي زيادة على الضرائب والرسوم التي تطال الفئات الفقيرة ستؤدي الى تداعيات سلبية على الأمن الإجتماعي وعلى الوضع المعيشي للناس، وقد بدأنا نسمع عن ارتفاع في أسعار بعض السلع حتى قبل اقرار الزيادة الضريبية الجديدة.

ولذلك لا يزايدنَّ أحد علينا في هذا الموضوع , ونحن في الوقت الذي نرفض أي زيادة في الضرائب ندعو الى الإسراع في إقرار سلسلة الرتب والرواتب بما يضمن للموظفين والمستخدمين وجميع القطاعات حقوقهم التي يطالبون بها.

أما فيما يتعلق بقانون الانتخاب فان من المعيب ان لا يتوصل اللبنانيون الى قانون انتخاب جديد يقوم على النسبية ويراعي صحة التمثيل ولا ينتقص أو يهمش أي مكوِّن من المكوِّنات اللبنانية، ولذلك على الجميع إنتهاز الفرصة ضمن المهلة المتبقية للتفاهم على قانون عصري ينصف كل القوى السياسية ويصحح التمثيل، حتى لا يبقى المجلس النيابي رهينة بيد طبقة سياسية اغرقت البلاد بالفساد وتحاول اليوم أن تجعل الضرائب من واجبات المواطنين الفقراء.

 

المصدر: خاص

البث المباشر