نشر مركز الاتحاد للابحاث والتطوير، تقريراً معلوماتياً، حول العلاقات الإقتصادية الإيرانية – السورية، تحدث فيه أن العلاقات الاقتصاديّة بين سوريا وإيران بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، شهدت تطوّرًا ملحوظًا في ظل مناخ التقارب السياسي الذي ساد بين البلدين خاصة خلال حرب الخليج الأولى مع العراق، إلى أن بلغت العلاقات الاقتصادية بين طهران ودمشق أوجها بين عامي 2000 و2010.
وأضاف التقرير أنه ومع بدء الأزمة السورية بقي النشاط الاقتصادي بين البلدين، ليأخذ أشكالًا جديدة كتقديم إيران لسوريا خلال الحرب، كما كان للعلاقات الاقتصادية أثرها الكبير خلال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، ولا تزال هذه العلاقات تأخذ مسارًا تصاعديًا تمثّل في إبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي لسوريا.
التعاون الاقتصادي بعد الحرب الإيرانية العراقية
في مارس/آذار عام 1982 وصل وفد سوري رفيع المستوى إلى إيران لتطوير مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي، وأبرم الطرفان مجموعة من الاتفاقيات التجارية والنفطية لتكون الأولى من نوعها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.
كان أهم ما جاء في الاتفاق السابق ذكره، تصدير إيران لسوريا 9 ملايين طن من النفط سنوياً مقابل تصدير سوريا لإيران 300 ألف – 400 ألف طن من الفوسفات لعام واحد ثم تقوم برفع حجم صادراتها إلى مليون طن لاحقاً (للوفاء بكامل احتياجات قطاع البتروكيماويات الإيراني). وصرح مسؤولون إيرانيون آنذاك بأن جزءاً من النفط الإيراني المصدر سيكون قائماً على نظام المقايضة (2.7 مليون طن) وأما الجزء الثاني (6.3 مليون طن) فلم يكن خاضعاً لذلك النظام.
وفي العقد التالي، في 24 من سبتمبر/أيلول 1990، اتفق الطرفان على إنشاء شركات مشتركة في مجالات استثمارية مختلفة؛ خاصة في قطاع المقاولات، ثم عقدت اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين جلستها الأولى قرب نهاية النصف الأول من عام 1996.
التبادل التجاري خلال فترة الخطة الخمسية التاسعة في سوريا
كانت معظم الصادرات السورية موجهة إلى الاتحاد الأوروبي؛ ولكن تشير الإحصاءات إلى حدوث تغيير بعد تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي، وبين عامي 2000 و2006 تراجعت حصة الاتحاد الأوروبي من الصادرات السورية من 68.3% إلى 40.2%، وفي المقابل نمت حصة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الصادرات السورية في الفترة نفسها من 7.8% إلى 23.1%.
تُظهر إحصاءات إدارة الجمارك الإيرانية (تقوم إحصاءاتها على أساس السنة الفارسية التي تبدأ من نهاية شهر مارس/آذار من كل عام) تضاعُف قيمة الصادرات السورية إلى إيران في السنة الأخيرة من الخطة الخمسية التاسعة (2000-2005) مقارنة بالسنة الأولى 4.6 مرة تقريبًا (أي بنسبة 362% تقريبًا).
في المقابل، تُظهر إحصاءات هيئة الجمارك الإيرانية تضاعف قيمة الصادرات الإيرانية إلى سوريا في السنة الأخيرة من الخطة مقارنة بالسنة الأولى 4.8 مرة تقريبًا (أي بنسبة 383.1% تقريبًا). على الرغم من تقارب نسب نمو صادرات البلدين، فقد كان عجز الميزان التجاري لصالح طهران خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة ضخمًا (بلغ 384% تقريبًا).
التبادل التجاري بين البلدين خلال فترة الخطة الخمسية العاشرة في سوريا
امتدادًا للخطة الخمسية التاسعة، استكملت دمشق في الخطة الخمسية العاشرة تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي وتنمية الصادرات غير النفطية، استهدفت الخطة تقليص عجز ميزان المدفوعات إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الصادرات غير النفطية بمعدل نمو 13% سنويًّا، وزيادة نمو صادرات القطاع الخاص بنسبة 15% سنويًّا.
حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا ما قبل الأزمة
وفقًا للتقرير السنوي الخامس (2010) لهيئة الاستثمار السورية، منذ عام 1991 إلى عام 2005، كان لإيران أربعة مشروعات في سوريا بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من خمسة مليارات ليرة سوريا، أما خلال الفترة الممتدة من عام 2006 وحتى عام 2010 فاستثمرت إيران في سويا في سبعة مشروعات بتكلفة استثمارية بلغت أكثر من 20 مليار ليرة سوريا.
وفقًا لتقارير صحافية، قدَّرت الحكومة السورية الاستثمارات الإيرانية خلال عام 2006 فقط بما يزيد على 400 مليون دولار؛ الأمر الذي جعل طهران ثالث أكبر مستثمر في سوريا بعد السعودية وتركيا، وفي سبتمبر/أيلول 2006 كان مسؤولون من الدولتين قد أعلنوا آنذاك عن خطط لتوسيع مشاريع إيرانية في سوريا بقيمة 10 مليارات دولار على مدى السنوات الست التالية.
وقد صرَّح مسؤولون إيرانيون بوصول قيمة الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية في عام 2010 (سنة 1389 الفارسية) إلى 2.2 مليار دولار أميركي وهو العام أيضًا الذي اتفق فيه الجانبان على تأسيس بنك إيراني سوري للصادرات برأس مال مبدئي يصل إلى 30 مليون دولار على أن يستحوذ الجانب الإيراني على 60% منه.
بعد اندلاع الأزمة، في إبريل/نيسان عام 2012 عقد الجانبان الإيراني والسوري اتفاقية التجارة الحرة التي نصَّت على خفض الحواجز الجمركية تدريجيًّا، وذلك بحيث لا تزيد عن حدود 4% مستقبلاً، وهو ما استُهدف من خلالها آنذاك رفع حجم التبادل التجاري إلى ملياري دولار في الأعوام التالية بحسب ما صرَّح به مسؤولون إيرانيون.
وفي عام 2014، بدا أن عملية تقليص الحواجز الجمركية (بالإضافة إلى إعفاء واردات القطاع العام من إيران من الرسوم الجمركية والضرائب منذ يناير/كانون الثاني 2014 إلى 2015)، مع الدعم النقدي الذي تلقته دمشق، قد انعكست على حجم التبادل التجاري بينها وبين طهران؛ إذ تشير مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى صعود حجم التبادل التجاري بين البلدين من 430 مليون دولار في عام 2010 إلى 869 مليون دولار في عام 2014، ولكن وفقًا للملحق التجاري بالسفارة الإيرانية بدمشق علي کاظميني، وصل حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار في العام الماضي.
وهناك ما يشير إلى احتمال استيراد سوريا من إيران آنذاك سلعًا تتجاوز قيمتها المليار دولار؛ إذ صرح معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري عبد السلام علي ببلوغ قيمة واردات سوريا من إيران 422 مليار ليرة سوريا (2.6 مليار دولار)، مُشَكِّلة نسبة 34% من الحجم الكلي للواردات السورية، في عام 2014.
في أيلول/ سبتمبر 2017 شاركت إيران بمعرض “عمّرها” الذي أقيم بدمشق بنحو 40 شركة من بين 164 شركة جاءت من 23 دولة، أما في أول معرض تجاري اقامته سوريا منذ العام 2011 وكان في آب 2017 فشاركت 30 شركة إيرانية في مختلف التخصصات.
وقعت سورية وإيران عام 2019، نحو 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان وذلك في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة التي عقدت في دمشق.
وكانت أبرز أوراق التعاون الموقعة اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد ومذكرة تفاهم لاجتماعات اللجنة المشتركة العليا وقعهما المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء والدكتور إسحاق جهانغيري النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتضمنت حزمة الاتفاقات مذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في الجمهورية العربية السورية ووزارة الصناعة والمناجم والتجارة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقعها وزير الاقتصاد الدكتور محمد سامر الخليل ووزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي. ووقع الجانبان مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية والخطوط الحديدية الإيرانية وقعها وزير النقل المهندس علي حمود وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال الأشغال العامة والإسكان وقعها وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس سهيل عبد اللطيف وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي. كما تضمنت الاتفاقيات مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الترويج للاستثمار بين هيئة الاستثمار السورية ومنظمة الاستثمار والمساعدات الفنية والاقتصادية الإيرانية وقعها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن الإيراني محمد إسلامي.
إضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال الجيوماتيك بين الهيئة العامة للاستشعار عن بعد في الجمهورية العربية السورية ومنظمة الجغرافيا في إيران وقعها مدير الهيئة العامة للاستشعار عن بعد وعن الجانب الإيراني مدير منظمة الجغرافيا.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون السينمائي بين المؤسسة العامة للسينما في سورية والمنظمة السينمائية السمعية والبصرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقعها مدير عام المؤسسة العامة للسينما وعن الجانب الإيراني مدير المنظمة السينمائية السمعية والبصرية.
ووقعت مذكرة تفاهم بين هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في سورية ووحدة التحويلات المالية في إيران بشأن التعاون في تبادل المعلومات المرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب وقعها حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور حازم قرفول وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي.
كما وقع الجانبان البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي بين وزارة الثقافة في سورية ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران للأعوام 2019-2020-2021 وقعها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل وعن الجانب الإيراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي.
إضافة إلى توقيع البرنامج التنفيذي في المجال التربوي “التعليم ما قبل الجامعي” بين حكومتي الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية للأعوام 2019 و2020 و2021 وقعها وزير التربية عماد العزب وعن الجانب الايراني وزير الطرق وبناء المدن محمد إسلامي.
القطاع المالي
على الصعيد المالي، والمعاملات البنكية، فتحت إيران خط ائتماني لدمشق. وفي تموز وقّع الرئيس بشار الأسد على قانون يصادق على القرض الثالث البالغ مليار دولار مقدم من إيران بهدف تمويل الصادرات.
وفي مجال الاتصالات وقع الجانبان مطلع العام 2017 على منح إيران رخصة تشغيل الهاتف المحمول في البلاد علماً أن عائدات شركة النقال في سورية تقدر بنحو 12 مليار ليرة سورية سنويًا، على أن يبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، بحيث تكون حصة الجانب السوري 20%، في مقابل 80% لشركة إيرانية.
عام 2022: تفعيل الاتفاقيات الموقعة
شكلت زيارة وزير الطرق والإسكان الإيراني رستم قاسمي إلى دمشق برفقة وفد اقتصادي إيراني كبير للبحث في سبل تطوير التعاون الاقتصادي الثنائي وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، خطوة مهمة على صعيد الوصول بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين لمستوى العلاقات السياسية المتينة.
المصدر: مركز الاتحاد للابحاث والتطوير